روايات القائمة القصيرة في قبضة ‘البوكر’
يظل الجدل والنقاش حول الجائزة العالمية للرواية العربية “آي باف” موسماً ذاخراً بالتشويق والإثارة التخمينات والاحتمالات للمهتمين من النقاد والكُتاب والقراء معاً، ويعود ذلك للزخم الذي حققته الجائزة طوال السنوات الماضية وتسليط الضوء على أعمال روائية مهمة رغم اختلاف المهتمين حول مدى عدالة الجائزة واستحقاقها ولكن كل الجوائز الكبيرة يدور حولها النقاش نفسه، ولا ينقص ذلك من قدرها وأهميتها، وكما قال د. أمير تاج السر “البوكر حبيبة الكل” فالفوز بالجائزة أو حتى الدخول في قائمتها الطويلة أو القصيرة يشكل قفزة كبيرة في مسيرة الروائي ويسلط مزيداً من الضوء على أعماله السابقة واللاحقة.
بعد الإعلان عن القائمة الطويلة في يناير/كانون الثاني 2018 لستة عشرة عملاً من مائة وأربعة وعشرين عملاً مرشحاً يُنتظر في فبراير/شباط الإعلان عن القائمة القصيرة والتي تضم ستة أعمال من القائمة الطويلة ليعلن في أبريل/نيسان عن العمل الفائز بالتزامن مع معرض أبوظبي للكتاب، سأحاول في المقال مقاربة الأعمال المرشحة للدخول إلى القائمة القصيرة لهذا العام حسب رؤيتي الخاصة.
“حرب الكلب الثانية” لإبراهيم نصر الله، الرواية تناقش مجتمع دستوبيا تنعدم فيه الثقة والأمان، وتعد بمستقبل قاتم للبشرية جمعاء، مع العلم أن الرواية نفسها تدور أحداثها في المستقبل، رغم أن العمل نفسه قد شابه بعض الترهل وضبابية الرؤية ولكن يظل عملاً مهماً ويناقش القلق الخفي لما يخبئه المستقبل لهذا العالم المجنون.
“زهور تأكلها النار” لأمير تاج السر، الرواية افتقدت واحدة من أهم سمات أمير الروائية وهي الخط الساخر الذي يدفعك للقراءة مبتسماً، ولكن يشفع لهذا النص تمحوره حول قضية تؤرق العالم الإسلامي بشكل خاص والعالم أجمعه بشكل عام، وهو الجماعات الدينية المتطرفة ومدى التشويه الذي يمكن أن تخلفه في مجتمع متسامح مثل مجتمع مدينة السور الذي يجمع الديانات السماوية الثلاثة في وئام ومحبة، أحسب أن زهور تأكلها النار أهم عمل في مسيرة أمير تاج السر الروائية وأتوقع له الذهاب بعيداً.
“الحالة الحرجة للمدعو ك” لعزيز محمد، هو العمل الوحيد الذي أكاد أجزم بأنه سيتواجد في القائمة القصيرة وغيابه عنها سيكون مفاجأة كبيرة، فرغم أن الرواية تعد من روايات التحليل النفسي الاجتماعي، وهي ليست روايات جوائز بشكل عام ولكن عزيز محمد قام بنسج عالم مذهل ومتداخل ومعقد ليوميات مريض سرطان، المدهش حقاً أن هذا هو العمل الأول للكاتب مما يدل على عبقرية نادرة ينتظر منها الكثير.
“شغف” لرشا عدلي، ناقشت الكاتبة في روايتها فترة مهمة من التاريخ المصري ولكن من زاوية مختلفة ومميزة وهي تعامل المجتمع المصري نفسه مع الحملة وطرق تواصله مع الفرنسيين، الرواية “موسوعية” – إن صح التعبير – فهي ناقشت الوضع الاجتماعي للمجتمع المصري في تلك الفترة بشكل دقيق، كما أن القارئ يدرك كم المجهود الذي بذل لكتابة الرواية نفسها، وإن كانت رشا عدلي قد وقعت في فخ المباشرة عدة مرات ولم تنج الرواية من الترهل ولكنها من الأعمال التي تستحق التواجد في القائمة القصيرة باقتدار.
“بيت حدد” لفادي عزام، تقدم الرواية طُعم الرومانسية في بدايتها ثم تهوي بك في فخ المأساة السورية مبينة بشاعة الحرب والمآل السوداوي القاتم لأبطالها، الرواية مشوقة والكاتب بارع في رسم الشخصيات التي ترسخ عميقاً في الذاكرة، ورغم أنها تلتقي مع زهو تأكلها النار في تأثير الجماعات الإسلامية على حياة الناس، ولكن تسليط الضوء هنا كان أكثر قوة والمشهد أشد قبحاً وإن تفوقت عليها الأخرى بالاحترافية والإيجاز غير المخل.
“الطاووس الأسود” لحامد الناظر، ناقشت الرواية مشروع الأخوان المسلمين بإسقاط رمزي كثيف عبر تناسخ الأرواح في شخصية عمار البركس، أهمية القضية التي ناقشتها يشفع له بعض الثغرات التي خلقتها العجلة ربما، حامد الناظر مشروعه مثير للاهتمام ويعد بالكثير.
تظل روايات مثل “الحاجة كريستينا” و”الخائفون” و”الساق فوق الساق” و”اسم الوردة” لها حظوظ في التواجد في القائمة القصيرة، والأمر المؤكد أن جعبة الجائزة مليئة بالمفاجآت مما يفتح الباب لكافة التوقعات، وهذا هو سر جمال البوكر وسحرها وأهميتها التي تزيد بمرور السنوات.
ميدل ايست أونلاين