كتب

وجهان لبطولة النساء زمن الحرب في رواية ‘العندليب’

وليد الأسطل

وجهان لبطولة النساء زمن الحرب في رواية ‘العندليب’… كريستين هانا ترسم ملامح بطولتين نسائيتين مختلفتين خلال الحرب العالمية الثانية: الأولى تقاوم بالصبر والصمود، والثانية بالفعل والمواجهة، لتُظهر أن الشجاعة ليست نمطًا واحدًا.

بعد رواية “النساء” التي تدور أحداثها في فيتنام، واصلت استكشافي لأعمال كريستين هانا مع رواية “العندليب” The Nightingale. هذه الرواية مستوحاة من القصة الحقيقية لأندريه دي جونغ، الذي ساعد طياري الحلفاء على عبور جبال البرانس. نحن إذا في زمن الحرب العالمية الثانية، وتبدأ أحداث الرواية عام 1939. ومثل رواية “النساء”، تسلّط رواية “العندليب” الضوء على التزام النساء خلال النزاعات المسلحة. تضع كريستين هانا النساء في سياق تاريخي لتكريم ذكراهن، وإنصافهن، ومنع نسيانهن.

رواية “العندليب”

تبدأ أحداث “العندليب” في كاريفو بمنطقة لوار. فيان مورياك، المتزوجة من أنطوان، تعمل معلمة. أمٌ لطفلة صغيرة تدعى صوفي، تعيش حياة هادئة، متبعةً إيقاع الفصول. عندما استدعي زوجها للخدمة العسكرية عام 1939، انهار عالمها تماما: لم تكن تؤمن بالحرب، فماذا عسى زوجها، الذي يعمل ساعي بريد، أن يفعل حيال ذلك؟

شقيقة فيان الصغرى، إيزابيل، هي نقيضها تماما. طردت من عدة مدارس تعلّم “حسن الخلق”، وهي ابنة عصرها. بعد أن تخلى عنها والدها، لم تعد إيزابيل تعتمد إلا على نفسها. تمثّل الحرب فرصة لها للالتزام بقضية، والوقوف في وجه الظلم، وإعطاء معنى لحياتها أيضا.

هذه الرواية لوحة جدارية للحرب العالمية الثانية، ذكّرتني كثيرا بالمسلسل الفرنسي الرائع “قرية فرنسية”. تستكشف الرواية ندوب التاريخ من منظور النساء، وتظهر مدى مساهمتهن -كلٌّ على طريقتها- في المجهود الحربي. يتضح من خلال هاتين المرأتين أن الشجاعة تقاس بطرق مختلفة، فإحداهما تتسم بالصبر والقدرة على الصمود، والأخرى بالمشاركة العملية في الحرب…

كما في رواية “النساء”، ترى الحرب هنا من خلال عيون النساء. ولتوضيح السياق بعض الشيء: تجد فيان نفسها مع ضابط ألماني مقيم في منزلها. يحدث هذا رغما عنها. ولحماية ابنتها، تبدو متواطئة مع النازيين. أما إيزابيل، فتنضم سريعا إلى المقاومة لتصبح مهرّبة إلى جبال البرانس. لم تثنِها قسوة مهماتها عن القيام بما تؤمن به؛ بل على العكس، واجهت الخطر بشجاعة وثبات.

قصة ما وراء كواليس الحرب

تروي رواية “العندليب” قصة ما وراء كواليس الحرب: مصادرة المنازل والطوابير أمام المتاجر. في القواعد الخلفية، حاربت النساء وقاومن أيضا.

يكشف البناء الصوتي المزدوج عن وجهين لعملة واحدة. ترسم تأملات فيان وأفعال إيزابيل لوحةً حميمةً في قلب الحرب. وهكذا، ينغمس القارئ في عالمين متناقضين تماما. أحداث تاريخية كبرى، مثل وصول القوات الألمانية، واستسلام بيتان، وقمع اليهود أيضا. كما ومعسكرات العمل والإبادة وأعمال التعاون أيضا. تتيح لنا تتبع تسلسل زمني معين. إن المزج الماهر بين الحدثين هو ما يسمح للمشاعر بالظهور. تلتقط كريستين هانا بدقة متناهية الرعب والشعور بالذنب والحب والعزلة والشجاعة أيضا. يبقى القارئ عالقا في هذا الخيط حتى لو كان على دراية بالمراحل التاريخية الرئيسية.

تظهر رواية “العندليب” بوضوح تباين أفعال فيان وإيزابيل (خاصة في بداية الرواية). ماذا عليك أن تختار، العيش أو المقاومة؟ الأولى أم، وبالتالي حذرة، تدفعها غريزتها إلى حماية ابنتها. من ناحية أخرى، الثانية متهورة ومتمردة وترفض الخضوع أيضا. في وقت مبكر جدا، تختار الفعل والالتزام. ما تعريف البطولة؟

اختارت كريستين هانا أسلوبا سرديا استعاديا. تبدأ رواية “العندليب” بامرأة تستعد للانتقال للعيش في بيت جديد، في تسعينيات القرن الماضي. تجد في العلية تذكارات قديمة ترغب في أخذها معها. وهكذا، تستعيد ماضيها. هذا الغوص في ذكرياتها يعيدنا إلى عام 1939. يشعر القارئ بأنه في حضرة إحدى الأختين، لكنه لا يعرف أيهما. أعتقد أن هذا البناء عزز اهتمامي بالقصة بشكل كبير، وجعلني أنجرف في أحداثها أيضا.

تأثرت كثيرا بهذا النص، الذي من المقرر أن تقوم المخرجة الفرنسية ميلاني لوران بتكييفه للسينما لعرضه في عام 2027. يستحق دور المرأة خلال الحروب المختلفة أن يتم تسليط الضوء عليه. تعيد كريستين هانا إلى النساء مكانهن في التاريخ.

ميدل إيست أونلاين

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى