رواية تمزج السياسة بـ أجواء السينما في مصر
رواية تمزج السياسة بأجواء السينما في مصر ..عن دار «الشروق» بالقاهرة صدرت رواية «أنا وعمتي والإيموبيليا» للكاتب ناصر عراق التي تستلهم التاريخ السياسي لمصر على خلفية اجتماعية وعاطفية تتداخل فيها مصائر الشخصيات من مواطنين وأجانب وافدين في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ويروي الكاتب قصة لجوء الألماني روبرت شافنبرج إلى مصر هرباً من رجال الشرطة السرية «الجستابو» في ألمانيا النازية. وكيف أنه ما كاد يستقر ويبدأ عمله في السينما بمساعدة صديقه المصري حتى توفي ذلك الصديق تاركاً ابنه الوحيد «فكري» في رعاية «شارفنبرج». وعندما تأتي «إلزا» ابنة شقيقة شارفنبرج لتقيم معه في عمارة «الإيموبيليا»، يبدأ «فكري» في التقرب إليها ومحاولة إثارة اهتمامها. في الوقت الذي يقع فيه «شارفنبرج» في غرام «زوزو» التي يشك «فكري» في كونها عميلة لأجهزة المخابرات الغربية فيقرر التفرغ لكشف حقيقة تلك المرأة الغامضة.
استعراض الرواية لأجواء السينما في مصر
تستعرض الرواية أجواء العمل السينمائي في مصر خلال أربعينيات القرن الماضي. حيث تظهر بعض الشخصيات التاريخية بشخصيتها الحقيقية مثل أم كلثوم ومصطفى النحاس وصلاح أبو سيف ونجيب محفوظ بوصفها شخصيات فاعلة داخل النص. تتبادل مع أبطاله الكثير من الهموم والتساؤلات حول نشاط أجهزة المخابرات في عالم ما قبل الحرب العالمية الثانية وتسلّط الضوء على التطورات السياسية خلال تلك الفترة. كما وتظهر ما فيها من ثراء وتنوع أيضا. وتنتصر للتعددية الثقافية والفكرية لتقدم تحية حارة لزمن أفلام الأبيض والأسود المؤطر بالحنين.
جاءت لغة الرواية سلسة، سريعة الإيقاع أيضا. لكن عابها عدم قدرتها على إثارة الدهشة وميلها إلى التعبيرات التقليدية والبلاغة القديمة النمطية المعتادة. وهو ما يظهر في عبارات كثيرة على مدار النص، من نوعية «يشرئب بعنقه» و«الجمال والخيول والحمير أرغت وأزبدت» و«الثلاثينية الفاتنة» و«اعترتني نوبة سخط» و«هبت العواصف وهطلت الأمطار».
صدر لناصر عراق الكثير من الروايات منها «الأزبكية» الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية ورواية «العاطل» التي وصلت للقائمة القصيرة للبوكر العربية.
ومن أجواء الرواية نقرأ:
«لم أكن من هواة الإنصات إلى أم كلثوم كثيراً، فأنا مغرم بليلى مراد ونبراتها المرحة. كما أنني مفتون بالحنجرة الشجية لأسمهان التي ماتت غرقاً قبل أسابيع. لكن الإشعاع المكثف الطاغي لكوكب الشرق يثير أمثالي من المغرمين بالتاريخ ونجومه الزاهرة. لذا عليّ أن أقتنص هذه الفرصة لأراقب الآنسة موفورة الصيت. كما وأدون كلماتها وتصرفاتها بل كل حركة وكل سكتة إذا استطعت إلى ذلك سبيلاً.
بدأ عمي روبرت شارفنبرج بوجهه الأحمر وقبعته السوداء وأنفه المدبب كرجل قادم من كوكب آخر. ارتدى بذلة أنيقة من التيل الأبيض ورابطة عنق زرقاء ومضى يشرئب بعنقه ليستنشق الشذا الطيب الذي تنشره الحقول المترامية أمامنا. كما أخذ يستمتع بأشعة شمس دافئة ناعمة تخفف من شدة تيارات الهواء الباردة القادمة من تلك الحقول. بينما الأهرامات الثلاثة تلوح من بعيد كصروح غابرة عتيدة تتحدى أعاصير الزمن مؤكدة عظمة الأوائل. كان قد عقد اجتماعاً منفرداً مع توجو مزراحي مخرج الفيلم فور وصولنا. ثم اتخذنا مواقعنا أمام الاستوديو في انتظار وصول صاحبة (رق الحبيب). لكن الخواجة توجو لم يطق صبراً فهب واقفاً فجأة وظل يغدو ويروح مستشرفاً الطريق وهو يشعل سيجارة وراء أخرى بعصبية.
كعادتي كنت أرافق عمي روبرت كلما أقدم على تصميم ديكور فيلم جديد حاملاً معي حقيبة سوداء صغيرة بها كراسة لأكتب ما يدور حولي بناء على نصيحته وإصراره وتعزيزاً لشغفي بكتابة اليوميات. وأشهد أنه أول مَن شجعني على فعل ذلك لأخرج من قوقعة أحزاني. إذ قال لي مرة: (اعرف نفسك يا فكري لتتجاوز حاضرك المؤلم. أنت شاب يتيم الأم منكوب في أبيه، لا أشقاء لك، شجرة وحيدة في صحراء قاسية. لذا فالحزن صديق ملازم والتردد رفيق دائم لكن عصافير الحياة لا تغرد للحزانى والمترددين فاكسر قوقعتك وانطلق مع المنطلقين)».
صحيفة الشرق الأوسط اللندنية