روتين .. حربي ..
نستيقظ كل صباح ..على إشراقة شمس تشرين الممتعة .. مع نسائم الخريف الباردة .. وصوت عصافير بلدية تحاول إيجاد مكان لها للتحليق في سماء غزتها طائرة حربية تحاول استطلاع شؤون حياتنا ..تصحبها بعض أصوات المدفعية الثقيلة .. تتنوع بين قصف منتظم إلى متقطع .. قوي .. خفيف .. هادئ .. مخيف ..
نحتسي القهوة .. نتجاذب أطراف حديث روتيني عن أحداث البارحة .. ومشاريع اليوم..
أطبع على خده قبلة الوداع .. ويغادر إلى عمله .. تسبقه تعليماتي :
( لا تتحرك كثيراً .. لا تغادر المكتب .. انتبه لأماكن تساقط القذائف .. ابتعد عنها .. )
يهز رأسه .. ويمشي ..
الأولاد في المدرسة .. وصلوا بسلام .. دون أي صوت لتفجير أو قذيفة همجية إلى الآن ..
أعود إلى أعمالي العادية الروتينية .. ترتيب .. طبخ .. زيارة صباحية .. أخبار عادية .. مواضيع عامة .. نتحاشى فيها ذكر الوضع العام وأخبار البلد والكوارث المحيطة بنا من كل حدب وصوب. لكن لا يمكننا غض النظر عن ذكر انقطاع التيار الكهربائي .. عدم توفر المازوت .. غلاء المعيشة غير المنطقي ولا الطبيعي،خوفنا الدائم على الأولاد ومستقبلهم .. قصص الفلتان الأمني والخطف والسرقات .. والتهجير .. وتصفية الحسابات ،والفساد ووووو، لنجد أحاديثنا تأخذ طابعاً سوداوياً .. موجعاً .. مترقباً ..يحاكي أوجاع الحرب .. مهما حاولنا أن تكون غير ذلك. نقلب صفحة هذا الحديث لنعود إلى هموم الحياة اليومية التي، مهما حاولنا ألا تختلط بقذارة الحرب إلا أننا نفشل.
تنتهي الزيارة .. ونعود قبل موعد انقطاع الكهرباء ..
نمارس روتين التدريس والمشاريع المسائية حسب جدول انقطاع التيار الكهربائي .. نقضي في كثير من الأمسيات وقتنا على ضوء الشمعة .. نتحدث مع أولادنا .. نقرأ .. نلعب.. لتنتهي ليالينا بجلسات رومانسية نقضيها على كلمات غزل وأحلام أمل ..
وما زال في الخارج ضجيج القذائف وأصوات المدفعية مختلطة بضحكات الناس التي غلبها عشق الحياة ومتعة السهر .. ورغبة الهروب من واقع بات نمط حياة وروتين يومي .. تأقلموا معه بطريقة فظيعة .
سيطروا على الخوف والذعر والموت .. لتنتصر في وجوههم وعقولهم إرادة الحياة .. وليعيشوا كما لو أن البلد بألف خير .. ويستمتعوا بكل لحظة من حياتهم لأنهم أدركوا متعة الحياة .. وكم هو قريب … الموت !!
روتين حياة .. حرب … وأمل .. واقع شعب يعيش الحرب منذ 4 سنوات .. وأعلن انتصاره إن لم يكن في المعركة .. إنما على الموت !!