سؤالا الدين والسياسة في الرواية الأردنية
د. خولة شخاترة
بداية لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ما ذكره إدوار الخراط “إن الأدب سعي نحو معرفة ما وليس المعرفة” (بأل التعريف) وهو يشير في هذا المقام إلى ما يسميه الأدب (الحق) وهو الأدب الذي يحدث كشفا ويقوم بمغامرة، ويصل إلى شيء لم يتم التوصل إليه قبل ذلك.
صحيح أن الأدب في قسم منه يسعى إلى تسلية الناس أو تعلميهم أو دعواتهم ويستجيب للذائقة العامة ولا ينفي ضرورته ولا ينكر وجوده، ولكن هناك فرقا بين ما سماه (الأعمال التأسيسية) التي تشتمل على قيم تتجاوز التقليد والأزمان والتغيرات الاجتماعية، وهي أعمال قليلة وليست نادرة، وما قوبل برفض واحتجاج ذات يوم فإنه عاد من جديد بفعل قراءة جديدة وإعادة نظر.
شغلت الرواية الأردنية بالهم السياسي والديني وقد ضرب الروائيون فيهما بسهم حلال أو حرام وفق تعبير ابن قتيبة وإن كان بسياق مختلف.
ومع وعيي التام أن كل رواية هي تجربة بحد ذاتها تختلف عن الرواية الأخرى حتى وإن كانت للكاتب نفسه، ثم في مرحلة تالية يمكن الحديث عن مشروع كتابي للكاتب سعى إلى تحقيقه عبر مسيرته الروائية.
وبما أنه يصعب الإحاطة بكل الروايات التي تناولت هذين المحورين فإنني سأكتفي بالتوقف عند نماذج روائية شكلت من وجهة نظري ثنائيات وتحمل كل ثنائية ملحما خاصا بها.
وقد تكون لروائيين اثنين أو لروائي واحد كما سيرد بعد سطور ويمكن دراستها على هذا الأساس.
الثنائية الأولى في الروايتين
فعلى الرغم من التباعد بين “أنت منذ اليوم” لتيسير سبول و”القط الذي علمني الطيران” لهاشم غرايبة في سنة النشر إلا أنهما تشيران إلى أن وجهة النظر بوصفها مكونا من مكونات الرواية تكفلت ببيان موقعهما الفكري من الدين والسياسة وأخذتا على عاتقهما معالجة هذين المحورين.
وأعني بوجهة النظر “الموقف والرؤية للعالم والحياة والناس” وهي بهذا المعنى تخضع لإرادة الرواي وموقفه الفكري.
فرواية أنت منذ اليوم فيها إدانة واضحة لكل أشكال الانتماء العقائدي سواء أكان دينيا أم لا؟ وتتبدى وجهة النظرهذه التي سيطرت على الرواية من أولها إلى آخرها في أزمنة مختلفة، وأمكنة مختلفة أيضا عبر مواقف كثيرة تظهر من خلال حوارات الشخصيات أو موقفها وردة فعلها تجاه حادثة ما، سيما أن هذه الرواية كانت ثورة على البنى التقليدية للرواية السائدة آنذاك بما قدمته من بناء روائي خاص بها بما فيها من خلخلة للزمن من انتقال في الزمان، ولم يفتعل وجهة النظر هذه ولا حاول اقناع المتلقي بها قسرا، وإنما يخرج المتلقي بوجهة النظر هذه بعد الانتهاء من قراءة الرواية.
ولعل ما أشارت إليه الرواية من شعارات الإسلاميين والقوميين والامميين اذا جاز التعبير في الانتخابات البرلمانية تشيرإلى وجهة النظر السابقة فكل هؤلاء يتاجرون بكل شيء ويداعبون أحلام الناس العاديين للوصول إلى البرلمان الأعمال الكاملة.
وفي موضع آخر تشير الرواية إلى تسلم حزب ما السلطة: “اجتمع بعض عرفاء القوم تحت سقيفة ما وأعلنوا أنهم ممثلو الشعب وأنهم يريدون الزعيم ديكتاتور منحرف ووعدوا الشعب بنفس الوعد: وحدة صحيحة”.
مع وعيها التام لما تحيل إليه: السقيفة من دلالة تاريخية ودينية على امتداد التاريخ الاسلامي، وفي سياق آخر توقف عربي (اسم الشخصية) في حواره مع زعيم حزب سياسي عن تضحيات الحزب وعن تاريخ عربي الحزبي. فسخر هذا الأخير من هذا الكلام وعده من الأوهام تاريخي الحزبي ؟ أين هو؟ لم أساهم حتى بضرب الشعوبيين حينما كان ضربهم تسلية!!
أي أن العنف كان مباحا لضرب الخصوم دون أن يرف لهم جفن وفي هذا إدانة صريحة لكل ادعياء التضحيات والنضال والتاريخ الحزبي، ثم يشير إلى حادثة خلع أغراس حديقة الجامعة للمرة الثالثة نتيجة للمعارك التي قامت بين الاسلاميين أو وفق تعبيره المؤمنيين والقوميين والشعوبيين في حرم الجامعة ، في حين ظل الفضاء الأثيري يبث المزيد من الشتائم :عملاء الاستعماء والرجعيين أو ملحدون مخربون.
يضاف إلى ما سبق فقد ورد في الرواية تلميحات تطرح الاسئلة حول ما ورثناه من تعاليم دينية أو مواقف تاريخية اكتسبت مع مرور الزمن طابع القداسة، فيشير إلى الحادثة المعروفة عن الفتى جار الإمام أبي حنيفة الذي كان يغني “أضاعوني وأي فتى أضاعوا”.
ولكن الرواية الرسمية من وجهة نظر الرواية تغيب قصة مقتل الفتى ابن القاسم الذي كان ينشد “لا إله إلا الله” على حدود السند فقتل بطريقة بشعة (حرقا) وقبيل تنفيذ الحكم همس لنفسه “أضاعوني وأي فتى أضاعوا”.
يضاف إلى ما سبق فإن حوار عربي مع صابر عن الحلال والحرام يشير إلى وجهة نظر صابر الذي أصبح يؤمن بأخلاقيات جديدة أصبح فيها الدين موضوع سؤال أو مساءلة لدرجة أن وضع تصنيفا جديدا للحلال والحرام.
فهو يربط بين الحرية الحقيقية التي تتحرر من الخوف أو يجعل من الحرية الحقيقية معيار الحلال والحرام “الحرية الحقيقية هي أن تكون خارج الخوف، وأن الحرام هو الخوف”.
ميدل ايست أونلاين