“سايكس-بيكو” جديدة بأياد عربية
في الذكرى المئوية الأولى لعقد اتفاقية “سايكس-بيكو”، يجد المحللون والكتبة الفرصة مناسبة للإضاءة على مصدر تسمية هذه الاتفاقية.
وقد جاءت التسمية من اسم السير مارك سايكس، المستشار الدبلوماسي البريطاني، وفرانسوا-جورج بيكو، السكرتير الأول في السفارة الفرنسية في لندن.
ولا ينسى المحللون والكتبة الإشارة إلى دور بطرسبورغ ووزير خارجية القيصرية الروسية سيرغي سازونوف في هذه الاتفاقية، التي سميت بادئ الأمر باسم “اتفاقية القاهرة السرية”؛ حيث تم التوصل إليها بعد اجتماعات في القاهرة، لتستمر المفاوضات في مدينة بطرسبورغ، وتسفر عن اتفاقية سايكس-بيكو-سازونوف الثلاثية، التي حددت مناطق نفوذ كل من الدول الثلاث في غرب آسيا من تركة “الرجل المريض”، كما سمى القيصر الروسي نيكولاي الأول الخلافة العثمانية.
وتتحدث المراسلات المحفوظة في المكتبة البريطانية عن “المعاهدة”، وتشير إلى “مناقشات مع الحكومة الروسية بشأن المعاهدة، واستعدادهم (الروس) لقبولها شريطة أن يُسمح لروسيا بضم أرضروم وطرابزون وفان وبدليس..”.
ومع أن الاتفاقية عُدلت بعد ذلك غير مرة، فإنها سمحت بتقسيم البلاد العربية بين المنتصرين. لكن الظروف تغيرت بالنسبة إلى بطرسبورغ بعد اندلاع الثورة البلشفية، فلم تعد تطالب بحماية الأرثوذكسيين في فلسطين، ولم تَعُد تستشار في أمورها، ولم تُضم إليها أرضروم وطرابزون وبدليس. وهي لم تشأ ذلك بعد اندلاع ثورة أكتوبر البلشفية، بل ونشر البلاشفة السوفيات نص الاتفاقية.
بيد أن العرب أدركوا أنهم خُدعوا، وأن بريطانيا استغلت توقهم للاستقلال عن الخلافة العثمانية لمحاربتها بأيديهم. وأن الشريف حسين، الذي قاد الثورة العربية الكبرى، وتحالف مع البريطانيين لنقل الخلافة إلى العرب، لم يكن إلا أداة لمحاربة الأتراك، تُخلي عنه عندما انتفت الحاجة إليه.
وقد لعب دورا كبيرا في خداع العرب ضابط الاستخبارات البريطاني لورانس العرب.
والمتابعون للأمور في هذا الصدد يؤكدون أن تقسيم المقسم آت، وإن أجلته إلى حين العملية الروسية العسكرية في سوريا، وأنه سيكون وفق رؤية جديدة تكون رائدتها هذه المرة الولايات المتحدة، للقضاء على أي حلم للعرب بالوحدة، والذي رفعهما الناصرية وحزب البعث وغيرهما.
ويتذكر الجميع تصريح مدير الإدارة العامة للأمن الخارجي في فرنسا (الاستخبارات الفرنسية) برنار باجوليه، العام الماضي في مؤتمر صحافي مشترك في واشنطن مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جون برينان، بأن: “الشرق الأوسط الذي نعرفه، انتهى إلى غير رجعة”؛ مشككا في أن يعود مجددا إلى ما كان عليه؛ ومؤكدا أن دولا مثل العراق أو سوريا لن تستعيد أبدا حدودها السابقة. غير أن تقسيم العرب، هذه المرة، لن يجري إلى قوميات؛ فلم تحقق الصراعات القومية العربية-الفارسية النتائج المطلوبة في تأليب الشعوب العربية ضد بعضها بعضا، وضد إيران، منذ عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
ولذا نصح المستشرق البريطاني-الأمريكي برنارد لويس باستخدام العنصر المذهبي. فبدأنا نسمع عن البيت الشيعي والبيت السني في العراق مثلا، بفضل القنوات الطائفية العربية المتكاثرة.
وأصبحت هذه القنوات “تنوِّر” المشاهد العربي، الذي لم يكن يعرف فرقا بين شيعي وعلوي وسني، وتبيِّن للجاهلين الفروق العقائدية بين المذاهب الإسلامية.وأصبح السني يعرف عن الشيعي أكثر مما يعرفه عن أهل السنة، والشيعي كذلك عن المذهب الجعفري، وكلاهما لا يعرف إلا النزر اليسير عن مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.
وإضافة إلى ذلك، لا تنسى هذه القنوات المقززة دعوة مشاهدها إلى الحذر من المؤامرة الصليبية، التي يحوكها ضد بلاده مواطنوه المسيحيون.
كل ذلك من أجل صياغة سايكس-بيكو جديدة، بأياد عربية-إسلامية، وعن طريق “ثورة إسلامية كبرى” لا يزال يقودها أبو بكر البغدادي، الذي كان مرميا في سجون العراق الأمريكية، قبل أن يفرج عنه لينشر الخراب في هذه البقعة المعذبة من الكرة الأرضية.
إن خطة الغرب في إطلاق-سايكس بيكو الجديدة تتمثل بالتقسيم الطائفي وتأجيج النزاعات بين مختلف المناطق العربية، واثارة النُعَر الطائفية في مناطق البلد الواحد: من البحرين إلى العراق والكويت والسعودية ولبنان، فضلا عن سوريا الثكلى.
أما فيما يتعلق بروسيا، فليست مهمتها الحرب من أجل توحيد العرب، ولكنها وجهت ضربات مؤلمة إلى الغول المسمى “داعش” في سوريا، مدركة أنه إن أفلت من عقاله فلن يقتصر خطره على العرب وحدهم، على أمل أن يفهم ذلك الآخرون.
وكالة نوفوستي الروسية