سجل الحروب..وأفق الأزمة السورية (حسام مطر)

 

حسام مطر

هل دخلت الحرب السورية مرحلة التسوية بعد انعقاد مؤتمر «جنيف 2»؟ هناك فرضية شائعة بأن هذه الحرب لن تنتهي قريباً وأن زمن التسوية لم يحن بعد, العودة للأرقام المستخلصة من تاريخ الحروب الأهلية يمكن أن تحدد قوة هذه الفرضية.
تستخدم باربرا والتر (تشرين الأول 2013) أربعة معايير لتوقع فشل التسوية السورية حالياً. الأول هو أن متوسط أمد الحروب الأهلية منذ العام 1945 هو عشر سنوات, الثاني وجود علاقة طردية بين عدد القوى المتحاربة وطول أمد الحرب, وفي سوريا اليوم إضافة للقوى النظامية أكثر من 13 فصيلاً أساسياً، ثالثاً إن غالبية الحروب الأهلية تنتهي بالغلبة وليس التسوية (40 في المئة لمصلحة الحكومة, 35 في المئة لمصلحة المعارضة), والغلبة الحاسمة متعذرة اليوم في سوريا، إلا أن بيتر فالنستين يشير الى أن التسويات السلمية للحروب الأهلية تزايدت منذ العام 1989 بشكل ملحوظ. وأخيراً فإن نجاح مفاوضات التسوية يرتبط عادةً بتوفر شرطين, الأول تقسيم القوة السياسية بين اللاعبين بناء على موازين الميدان، وهو ما يرفضه أطراف الصراع في سوريا حتى اللحظة. وثانياً وجود طرف ثالث راغب وقادر على ضمان تطبيق التسوية وسلامة المتحاربين أثناء التطبيق (تُعرف بمعضلة الأمن), وحالياً هذا الطرف غير متوفر في الحرب السورية. يضيف ماكس فيشر (تشرين الأول 2013) أسباباً أخرى لذات الفرضية منها مدى تدخل القوى الخارجية, وهو متحقق بقوة في الحرب السورية بما يؤمن موارد دائمة للقوى الداخلية المستنزفة لتستمر في القتال.
عامل آخر يساهم في إطالة أمد الحرب, وهو العامل الإثني او ما يُعرف بـ"حروب الهوية", الذي يبرز بدرجات متفاوتة ومتزايدة في الحرب السورية لا سيما من ناحية مذهبية. ويشير جايمس فيرون بناء على تحليل كمّي مقارن للحروب الأهلية بين العامين 1945 ـ 1999 الى أن وجود العنصر الإثني يطيل أمد الحرب بـ 70 في المئة عن سواها من الحروب. إلا أن جون بورتون (1987) يحاجج أن المسائل المرتبطة بالهوية يمكن حلها بشكل أسهل من تلك المرتبطة بالمسائل السياسية ـ الاقتصادية, إذ أن مسائل الهوية غالباً ما تحتوي على نقاط رمزية يمكن حلها بشكل غير مكلف. أما روي ليكليدير فتوصل الى نتائج متداخلة بعدما قسم العينة التي يدرسها من الحروب الأهلية (91 حرباً 96 في المئة منها "حروب الهوية"). وتوصل الى أن "حروب الهوية" لا تدوم أكثر من الحروب الأخرى, إذ أن فقط خمسة في المئة من "حروب الهوية" دامت أكثر من عشر سنوات في مقابل 15 في المئة من الحروب الأخرى. كما يتساوى نوعا الحرب تقريباً في نسب الوصول الى تسوية, 26 في المئة في "حروب الهوية" و20 في المئة في الحروب الأخرى.
لكن لماذا تفشل التسويات في الحروب الأهلية؟ تشير باربرا والتر (1990) الى فشل 53 في المئة من عمليات التسوية والمفاوضات الرسمية في الحروب الأهلية التي وقعت بين العامين 1940 -1990, وأرجعت ذلك الى مجموعتين أساسيتين من الأسباب: المجموعة الأولى تستند الى أن المتقاتلين "لا يريدون" التوصل لتسوية برغم دخولهم المفاوضات, وإنما يكون قبولهم التفاوض لأسباب مختلفة: الضغط من رعاتهم الخارجيين, لإرضاء الضغوط الشعبية المرهقة من الحرب, وكسب الوقت لتعزيز قدراتهم العسكرية، أو لتحسين سمعتهم "كمعتدلين" في أوساط الرأي العام الداخلي والدولي. المجموعة الثانية, تستند الى أن المتحاربين "لا يمكنهم" التوصل لتسوية لأسباب عدة: صعوبة قسمة نقاط الخلاف كمسألة الشرعية (بعكس الحروب الأهلية "الانفصالية" حيث يسعى أحد أطراف الحرب لنزع استقلالية حيز جغرافي من الدولة), والقيمة العالية لكسب الحرب إذ أن الفائز سيسيطر على كامل الدولة ومقدراتها مما يشجع الاطراف على المغامرة والمخاطرة وتحمل أعباء عالية, وأخيراً بسبب عدم القدرة على التراجع عن الوعود والشعارات التي أطلقها القادة للجماهير. حتى اللحظة تبدو هذه الأسباب (لا سيما مسألة الشرعية) حاضرة بقوة في الحرب السورية ومتوزعة بين كل الأطراف المشاركة.
لكن حتى في حال حصول التسوية, ما هي فرص تجدد الحرب؟ يعتقد كثيرون ان إيقاف الحرب الأهلية بالتسوية افضل من ترك الحرب تأخذ فرصتها لتحديد المنتصر. إلا ان روي ليكليدير يقدم طرحاً معاكساً بالاستناد الى ما يعرف "بفرضية واغنر", ومفادها أن خيار التسوية في الحروب الأهلية يؤدي الى ترتيبات سياسية لتقاسم السلطة وخلق فيتوات متبادلة ما يعيق إعادة بناء مؤسسات فعالة وينتج بنية وطنية ضعيفة وذلك بعكس لو انتهت الحرب بانتصار طرف وإحكام سيطرته على السلطة بمفرده. ولذلك وبحسب دراسة ليكليدير فإن 50 في المئة من الحروب التي انتهت بتسوية عادت واندلعت مجدداً في مقابل 15 في المئة للحروب التي انتهت بنصر.
في المحصلة يبدو أن الحرب السورية تحوي جملة من العناصر التي في الأغلب تؤدي الى إطالة أمد الحرب. ولكن بالنظر الى الديناميكية الخارجية بالتحديد بين الروس والأميركيين بالإضافة لتمكن الجيش السوري بمساندة حلفائه الخارجيين من كسر حالة المراوحة الميدانية نسبياً, فإن المرتقب هو "تبريد" الحرب السورية. وقد أشار بيتر فالنستين (2002) إلى أن بعض الحروب انتهت بانتصار الحكومة عبر تثبيت سيطرتها على المناطق الأساسية. أي انتصار "أمر واقع" ولكن من دون اعتراف المعارضة بذلك, فيستمر الصراع ولكن بمستوى عنف منخفض وعدد ضحايا محدود جداً, إلى حين نضوج شروط التسوية. ألا يبدو ذلك الأكثر تحققاً في المدى المنظور للحالة السورية؟

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى