سخاء المانحين وجرعة المورفين
تعهد المانحون الدوليون بسخاء في مؤتمر لندن لتعزيز وجود اللاجئين السوريين في الدول المجاورة لسوريا، ولكن “جرعة المورفين” لن تكون كافية لرفع معاناة السوريين. وفي “كازينو” مفتوح، وصل حجم التعهدات الدولية، لتوفير فرص عمل وتعليم ودعم صحي للاجئين السوريين في بلدان الجوار، إلى أكثر من عشرة مليارات دولار.
وتباهى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في اختتام المؤتمر الرابع للمانحين لسوريا بجمع عشرة مليارات للمساعدات الإنسانية بدلا من توقعات بجمع تسعة مليارات فقط، وقال إن “المؤتمر شهد جمع المبلغ الأضخم في يوم واحد من أجل مواجهة أزمة إنسانية”.
وفي تفاصيل السخاء الدولي: تعهد المانحون بتقديم ستة مليارات “للسوريين” في العام الحالي وخمسة أخرى في السنوات الأربع المقبلة. وأوضح كاميرون أنه “تضافرت جهودنا للتعامل مع نقص التمويل للأعمال الإنسانية، في منهج جديد لتوفير التعليم والوظائف، التي ستعزز الاستقرار في المنطقة”. ويزيد المبلغ المتعهد به عن إجمالي ما تم جمعه في جميع المؤتمرات السابقة لدعم سوريا؛ فحسب إحصاءات الأمم المتحدة، تم جمع 1.5، و2.4 ، و3.8 مليار دولار في ثلاثة مؤتمرات استضافتها الكويت في 2013 و2014 و2015 على التوالي.
الإعلان عن المساعدات المنهمرة بالمليارات، رافقه تعهد من الأردن ولبنان وتركيا بضمان حصول أطفال جميع اللاجئين على أراضيها على التعليم، وبفتح اقتصادها ليتسنى للبالغين من اللاجئين الحصول على وظائف. لكنه بالتأكيد لم ينزل “بردا وسلاما” على مئات ألوف المحاصرين في سوريا، وأكثر من ستة ملايين نازح داخلي، وقرابة خمسة ملايين لاجئ يعيشون ظروفا صعبة بعيدا عن ديارهم وممتلكاتهم. كما أن هذه التعهدات لن تكون كافية بالطبع لرفع معاناة السوريين الإنسانية. فوفقا لأرقام الأمم المتحدة، فإن 13.5 مليون شخص في داخل سوريا بحاجة إلى المساعدات الإنسانية.
كذلك، فقد قدرت الأمم المتحدة عدد الأطفال ممن هم بحاجة إلى المساعدة العاجلة بنحو ثمانية ملايين طفل سوري؛ منهم مليونان يعيشون في المخيمات. وتظهر معاناة الأطفال وتأثيراتها على مستقبل سوريا في تقارير تتحدث عن 700 ألف طفل من بين 1.4 مليون طفل لاجئ من سوريا في مصر والعراق ولبنان والأردن وتركيا لا يحصلون على أي تعليم؛ إضافة إلى 2.1 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس، أو لا يذهبون إلى مدارسهم بانتظام داخل البلاد. ومن الواضح أن حجم هذه التعهدات الدولية إن تم الإيفاء بها أولا، وأنفقت على الهدف المخصص لها، فإنها ستكون قاصرة عن إنهاء الكارثة السورية وتبعاتها المستقبلية.
ويكشف “سخاء” المانحين عن عدة جوانب، أهمها: تعمق الأزمة الإنسانية للسوريين بعد نحو خمس سنوات صعاب، وارتفاع المخاوف من انعكاسات الأزمة السورية على الأوضاع الإقليمية والدولية. غير أن المؤشر الخطير يتمثل في أن العالم بدأ يخطط للتكيف مع أزمة لجوء قد تستمر لسنوات طويلة؛ ما يعني انعدام الأمل بحل سياسي على المدى المنظور لإعادة اللاجئين وإعادة الإعمار.
ويبدو أن العالم مستمر في جهوده لإدارة الصراع في سوريا، والتخفيف من تبعاته على المنطقة والعالم، وهو لا يتحرك جديا من أجل إنهاء الحرب، التي تسببت بأكبر كارثة إنسانية يعيشها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. فقد أوضح كاميرون في ختام مؤتمر لندن أمس أن المجتمع الدولي سيساعد الدول الثلاث الرئيسة المستضيفة للاجئين على الإيفاء بالتزاماتها بتوفير الوظائف والتعليم. ويشمل ذلك تقديم قروض بقيمة 40 مليار دولار من مؤسسات مالية، وفتح الأسواق الأوروبية. وقال إنه “نتيجة لذلك ستتوفر مليون وظيفة جديدة في المنطقة للاجئين والسكان على حد سواء.”
وبعيدا عن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ومزايداته اللفظية حول أكل الناس في سوريا أوراق الشجر والحيوانات الضالة، والتي لم تترافق مع صحوة ضمير طالب بها أمس في المؤتمر، فإن تصريحات المسؤولين العالميين والاتفاقات الموقعة مع بلدان الجوار والعبور إلى أوروبا، تكشف عن أهداف “السخاء” الدولي المتمثل في وقف سيل اللاجئين إلى أوروبا، وحصر الأزمة السورية ضمن حدود البلاد.
ومرة أخرى، يلجأ العالم المتحضر إلى استخدام “جرعات المورفين” في التعامل مع معاناة السوريين المريرة، وتجاهل العلاج الفعال للكارثة الإنسانية المتواصلة منذ نحو خمس سنوات وهي وضع حد للقتال، ووقف الحرب والبدء بإعادة إعمار سوريا، قبل أن يتسع الحريق ليصل إلى عقر دار جميع المستهترين بضرورة وأهمية بلوغ تسوية سياسية لكارثة طال أمدها.
روسيا اليوم