في الوقت الذي تفاقمت فيه أزمة الشعبيّة التي تعانيها السلطة الفلسطينية من جرّاء موقفها السلبي في خلال المعركة الأخيرة التي شهدها مخيم جنين، دعا رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى عقد لقاء طارئ على مستوى الأمناء العامين لفصائل المقاومة، وهو ما تعاملت معه الأخيرة بحذر، مطالبةً بأن تسبق خطّةٌ شاملة متّفق عليها أيّ لقاء من هذا النوع. وبحسب ما علمته «الأخبار» من مصادر في السلطة، فإن حالة الغضب الشعبي التي تواجهها السلطة في الضفة الغربية المحتلّة، تفاقمت خلال الآونة الأخيرة نتيجة عدّة عوامل، أبرزها إحجام رام الله عن إبداء أيّ ردود فعل إزاء الجرائم الإسرائيلية المتواصلة، وإبقاؤها على «التنسيق الأمني» مع الاحتلال. وتضيف المصادر أن قيادة حركة «فتح» قرأت في ما جرى في مخيم جنين أثناء تشييع شهداء العدوان الأخير، من طرد لنائب قائد الحركة، محمود العالول، وقيادات أخرى، مؤشّراً خطيراً إلى تصاعد حالة الغضب.
وتكشف المصادر أن نقاشات حادة دارت بين قيادات في السلطة ومسؤولين أمنيين تابعين لها عقب حادثة الطرد، فيما جاء بيان «كتيبة جنين»، التابعة لـ«سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، حول اعتقال السلطة قائد كتيبة «جبع» أثناء توجهه لمساندة جنين خلال العدوان، ليصبّ الزيت على النار ويسعّر الانتقاد والسخط الموجّهين ضدّ رام الله. كما تكشف أنه للخروج من المأزق، اقترح مسؤولون على عباس البدء في حراك سياسي يهدف إلى الحفاظ على شرعية السلطة شعبياً وأمام «المجتمع الدولي»، ويبدأ بعقد لقاء على مستوى الأمناء العامين للفصائل في القاهرة، ثمّ ينتقل إلى جولات حوار متتالية، مع الحرص على أن يُظهر اللقاء الأول «شرعية» رئيس السلطة أمام الإعلام. وشملت التوصيات العاجلة، أيضاً، ضرورة عدم توجيه الانتقاد إلى «كتيبة جنين»، والبدء، في المقابل، بحملة انتقاد واسعة لحركة «حماس» لمنعها من استغلال ما يجري حالياً في الضفة لصالحها.
وبالفعل، لم تكد تَصدر الدعوة إلى اللقاء، حتى هاجم عضو «اللجنة المركزية لحركة فتح»، عزام الأحمد، حركة «حماس»، واتّهمها بأنها تضع عراقيل أمام فرصة عقد اجتماع عاجل في القاهرة. وكانت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» ردّتا على الدعوة ببيان مشترك طالبتا فيه بوضع خطّة وطنية شاملة لمواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين، استناداً إلى «ما يمتلكه شعبنا من مقومات القوة والصمود، خاصة في ظلّ تصاعد المقاومة وتحقيقها الإنجازات على الأرض». وشدّدت الحركتان على ضرورة الاتفاق على هذه الخطّة أوّلاً، ومن ثمّ إخراجها إلى حيّز التنفيذ فوراً، بما يشمل عقد اجتماع للأمناء العامين. كما حضّتا على «سرعة التحرك لمواجهة التحديات التي تواجه القضية، وخاصة استمرار مخططات تهويد وتقسيم المسجد الأقصى، والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وعزل مدينة القدس وتهجير أهلها، والتوسع الشرس للاستيطان ومشاريع الضم المجنونة، وحصار قطاع غزة، وما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال، إضافة إلى مخططات العدو في إنهاء الوجود الفلسطيني في الداخل المحتل».
من جهتها، رحّبت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بدعوة عباس، مشترطةً أن يتمّ «التعامل بمصداقية وجدية مع نتائج الاجتماع، والالتزام بما يصدر عنه من توجهات وقرارات إزاء ما يجري من عدوان ومجازر في جنين، وإزاء العدوان الشامل على شعبنا وحقوقنا، ومصادرة الأراضي وتوسيع الاستيطان الذي يجسّد السياسة الإسرائيلية المعلنة بالضم الكامل لأراضي الضفة المحتلة بما فيها القدس». وحذرت «الشعبية» من أن يكون هدف الدعوة «المناورة كما في اجتماعات سابقة»، داعيةً إلى أن يكون اللقاء هذه المرّة «مدخلاً لإنهاء الانقسام، وميداناً لمعالجة الشأن الداخلي وإدارة الصراع مع الاحتلال، وما يتطلّبه ذلك من إعادة بناء للاستراتيجية الوطنية التي تعيد إلى الصراع طابعه باعتباره شاملاً بين كلّ الفلسطينيين، وبين الاحتلال». وشدّدت على أن «هذا يستدعي مغادرة الرهانات الضارة على المفاوضات والاتفاقيات الموقعة مع العدو، والمباشرة بتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي والقرارات الوطنية بإلغاء اتفاق أوسلو وما ترتب عليه من اتفاقات لاحقة، والتزامات أمنية وسياسية واقتصادية، وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال، خاصةً أنه قد بات الجميع أمام حقيقة الموقف الإسرائيلي الذي تجسّده حكومة نتنياهو قولاً وفعلاً برفض قيام الدولة الفلسطينية، بل واجتثاث التفكير بها، والدعم الذي توفره الإدارة الأميركية لهذه السياسة وللعدوان القائم على جنين وعلى الشعب الفلسطيني».