“سرير الغرباء” المهمشون بين الجنس والصراع السياسي
“سرير الغرباء” أحدث أعمال الروائي الصيني المعاصر ليوجين يون، صدرت طبعتها الصينية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وطبعت منها دار اليانجتسي للفنون والآداب حوالي مليون نسخة، واحدة من أهم الأعمال الروائية الصينية التي نالت احتفاء جماهيريا ونقديا واسعا داخل الصين وخارجها، وترجمت إلى أكثر من لغة أجنبية. وهي في الوقت ذاته أحد أهم الأعمال التي تعبر عن اهتمام ليوجين يون بموضوع العلاقات الإنسانية المتشابكة والمعقدة، والذي تناوله في عدد من أعماله بين القصة القصيرة والرواية، وعن اهتمامه بقضايا المرأة وهمومها على امتداد الصين والمرأة في مسقط رأسه مقاطعة خه نان وسط الصين على نحو خاص.
صدرت الروية ضمن إصدارات سلسلة “قراءات صينية” عن دار صفصافة للنشر الترجمة العربية ترجمة د.حسانين فهمي حسين أستاذ اللغة الصينية بجامعة عين شمس والمشرف على سلسلة “قراءات صينية”. وفيها يتعرف القارئ على واحدة من أهم الروايات التي صدرت خلال السنوات الأخيرة لليوجين يون المولود بمقاطعة خه نان وسط الصين عام 1958، والذي تخرج في قسم اللغة الصينية بجامعة بكين العريقة عام 1982، ثم حصل على الدراسات العليا في الكتابة الأدبية من معهد أدب لوشون بجامعة المعلمين ببكين عام 1991. يعمل حاليًا أستاذًا للأدب الصيني بجامعة الشعب الصينية. وهو أحد أهم الأصوات الأدبية في جيل الرواد الذين لمعت أسماؤهم على الساحة الأدبية الصينية منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، والذي يضم أهم الكتاب في تاريخ القصة والرواية الصينية المعاصرة وعلى رأسهم: سوتونغ، قه فيي، مايوان، تسان شويه، يوهوا، خان شاوقونغ ومويان وغيرهم من الكتاب الصينين المعاصرين.
تحكي الرواية قصة المرأة الريفية نيوشياولي تسعى لتزويج شقيقها، فتتعرف على فتاة وتختارها زوجة لأخيها، لكن مفاجأة غير متوقعة تضرب حياتها؛ حيث تهرب العروس بعد خمسة أيام فقط من الزفاف، فتقرر السفر برفقة وسيطة مسافة خمسمائة كيلو متر بحثًا عن زوجة أخيها الهاربة سونغ تساي شيا، وبعد وصولها تعجز عن العثور عليها في البلدة التي توقعت أن تكون مسقط رأسها، قبل أن تهرب منها الوسيطة أيضًا، ولكي تتمكن من توفير مبلغ يساعدها في مواصلة البحث عن زوجة أخيها الهاربة واستعادة المبلغ الذي سرقته من العائلة، تضطر نيوشياولي إلى تغيير اسمها إلى سونغ تساي شيا “اسم زوجة أخيها الهاربة” وتجد نفسها مضطرة إلى بيع جسدها، قبل أن تسقط في علاقات متشابكة وقضايا فساد أبطالها مسئولون كبار. وتملأ المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي تفاصيل ممارستها للجنس مع مسؤولين سياسيين في إطار صراع سياسي.
وأشار د.حسانين إلى أن الرواية تعتمد على المواد الإعلامية والأخبار المتداولة والأحداث الرائجة في وسائل التواصل الاجتماعي، لتعكس اهتمام ليوجين يون الواضح بالقضايا الواقعية التي تشغل الإنسان العادي في الصين، وتؤكد تلك السمة البارزة في كتاباته، والتي تتمثل في الاهتمام بالكشف عن هموم الإنسان الصيني المعاصر وقضاياه، خاصة ما يتصل بالفئات المهشمة في المجتمع الصيني، والتي تحتل مساحة كبيرة في أعماله.
وتصور الرواية العلاقات المتشابكة بين أربعة أشخاص لم يكن يربط بينهم سابق معرفة: نيوشياولي، لي آن بانغ، يانغ كاي توه وماجونغ تشنغ، ومصائرهم بأسلوب ليوجين يون الساخر الذي برز فيه تأثره الواضح بأديب الصين الأشهر لوشون. وذكر القارئ بما كتبه لوشون في قصته المعروفة “يوميات مجنون” ونقده الشديد للشعب الصيني الذي كان يكتفي بموقف “المتفرج” على ما يدور حوله من أحداث، وهو ما عبر عنه ليوجين يون في هذه الرواية من خلال نقده الشديد للفرجة التي تسيطر على الإنسان المعاصر في المجتمع الصيني.
وقال “انتبه النقاد منذ بداية مسيرته الأدبية إلى قدرة ليوجين يون على تناول الموضوعات التاريخية والمعاصرة من خلال حس ساخر ينبع من موقف نقدي أصيل تجاه التاريخ الصيني وواقع الحياة الصينية المعاصرة ومشكلات نماذج مختلفة من الفئات المهمشة والمطحونة في مجتمع مسقط رأسه بمدينة يانجين التابعة لمقاطعة خه نان وسط الصين خاصة وفي المجتمع الصيني بوجه عام. ومن هذا المنطلق، يمكن القول بأن أعمال ليوجين يون حافظت إلى حد كبير على خصائص الواقعية النقدية التي اتسمت بها الأعمال القصصية الصينية منذ حركة الرابع من مايو/آيار عام 1919 التي أسست للأدب الصيني الحديث، مما يجعل هناك وجه شبه واضح بين أعمال صاحب “سرير الغرباء” وأعمال رائد الأدب الصيني الحديث لوشون (1881-1936)، خاصة ما يتعلق بنقد العقلية الصينية والنقد الاجتماعي والعزلة التي تعيشها شخصيات أعماله، إلى جانب نجاحه في تقديم عدد من الشخصيات المنبوذة والمهمشة التي تتشابه أفكارها ومصائرها مع شخصيات قصص لوشون، حتى أطلق عليه بعض النقاد لقب الكاتب الذي “خرج من عباءة لوشون”.
وأوضح د.حسانين أن ليوجين يون يتميز بغزارة الإنتاج وتنوع كتاباته التي تجمع بين القصة والرواية والسيناريو. وتتميز أعماله بالنقد الاجتماعي لعدد من الظواهر والقضايا في المجتمع الصيني المعاصر، وعلى رأسها الفساد والرشوة كما في روايتي “جهة العمل” و”سرير الغرباء”. وتتميز لغة أعماله بالحس الفكاهي الساخر الذي يعرف به بين أبناء جيله. توجت أعماله بحصوله على جائزة مادون الأدبية (نوبل الأدب الصيني) في دورتها الثامنة عام 2011، كما حصل على وسام فارس في الفنون والآداب عام 2018 من فرنسا. وحازت أعماله شهرة كبيرة داخل الصين وخارجها، وترجم عدد منها إلى لغات أجنبية عديدة من بينها العربية، ومن أبرز أعماله المترجمة إلى العربية “رب جملة بعشرة آلاف جملة”، “الموبايل”، “جهة العمل”،”البرج”، كما تم تحويل عدد من أعماله الروائية والقصصية إلى أعمال سينمائية، وحصدت أعماله عددًا من الجوائز داخل الصين وخارجها.
وأكد د.حسانين أن “سرير الغرباء” تعد علامة فارقة وبداية مرحلة جديدة في إبداع ليوجين يون، أو كما عبر عن ذلك بنفسه في حوار معه حول هذه الرواية قائلًا: “لقد بدأت بهذا العمل مرحلة جديدة في مسيرتي الأدبية”، وقوله أيضًا “الكتابة الأدبية تختلف عن أن يدير أحدهم مطعمًا، فزبائن هذا المطعم سيحرصون على ارتياده طالما حافظ على جودة الأطعمة المعروف بها، على العكس تمامًا من الإبداع الأدبي الذي يتطلب أن يكون هناك فهم جديد للعلاقة بين الحياة والكتابة والكاتب، فأكثر ما يخيف الكاتب عجزه عن كتابة أعمال جديدة”. إنها رواية جديدة ومهمة في مسيرة صاحبها وفي المنجز الإبداعي الصيني المعاصر، نأمل منها أن تضيف شيئًا إلى المكتبة العربية، وأن تحقق المتعة للقارئ العربي في كل مكان.
نماذج من الرواية
وأدرك يانغ كاي توه صدق المثل القائل: تأتي المصائب حين تأتي جملة، وترى السرور يجيء في الفلتات. إذ كان يعلم أن حياة الإنسان لا يمكن أن تسير دائمًا وفق ما يتمنى، وأن مشوار حياة أحدهم لن يخلو من التعرجات، لكنه لم يكن يتوقع أن تعترضه فجأة كل هذه التعرجات. فهو كمدير إحدى الهيئات بهذه البلدية، منصب صغير في حجم حبة السمسم، هذا المنصب الذي كان في عصر أسرة تشينغ من الدرجة الأخيرة في سلم المناصب، بل إنه الآن لا يرقى إلى التصنيف، لم يكن يتوقع بحال من الأحوال، أن تقوده ابتسامته البلهاء لأن يصبح نارًا على علم على مستوى الصين قاطبة. فشهرة يانغ كاي توه حاليًا تفوق شهرة أمين الحزب بالمقاطعة، بل إن أمين الحزب لن يعرفه أحد خارج حدود مقاطعته، على العكس من يانغ “ملك الابتسامة” الذي أصبح الآن معروفًا لجميع أبناء الشعب الصيني، ذاك الذي حول “الكارثة” إلى ابتسامة، وحول المأساة إلى ملهاة. وفي المعتاد، نجد أن هذا الخلط في تحويل الابتسامة البلهاء إلى “ابتسامة” ومنح يانغ كاي توه لقب “ملك الابتسامة”، كان كفيلًا بأن يقضي على يانغ كاي توه، ولكن من كان يتخيل أن هذا كله كان بداية نهايته، فقد انطلق البعض من ابتسامته البلهاء، للتركيز على ساعة يده، وقالوا إنها من ماركة الساعات السويسرية الشهيرة، وإن ثمنها مئة وخمسون ألف يوان. ثم واصل البعض البحث على الشبكة عن صور لمشاركاته في مختلف الأنشطة الرسمية على مستوى البلدية خلال السنوات الأخيرة، بهدف التركيز على الساعات التي كان يرتديها في تلك المناسبات، فلما لم يعثروا على بغيتهم، واصلوا البحث لسنوات أطول عن صوره في اجتماعات البلدية، فعثروا على ست ساعات من فئة الماركات الشهيرة، من بينها ساعة يصل ثمنها إلى ما يزيد على مئتي ألف يوان، وأخرى يزيد ثمنها على ثلاثمئة ألف يوان، وثالثة يزيد ثمنها على خمسمئة ألف يوان، ورابعة من فئة الماركات العالمية النادرة، والتي يزيد ثمنها على مليون ومئتي ألف يوان، في حين يصل إجمالي ثمن الساعات السبع إلى مليوني وخمسمئة ألف يوان.
ثم واصل هؤلاء البحث عن راتب يانغ كاي توه، ووجدوا أن قياديًّا مثله يبلغ راتبه الشهري ثلاثة آلاف ومئة يوان، بإجمالي دخل سنوي أقل من أربعين ألف يوان، فإذا اعتمد على هذا الدخل الشرعي لشراء هذه الساعات السبع، فإن ذلك يتطلب أكثر من ستين عامًا من العمل المتواصل دون أن ينفق يوانًا واحدًا على طعامه وشرابه. ثم واصلوا البحث عن سنه، وعرفوا أنه أتم الخامسة والأربعين، وبالتالي فإنه إذا كان يعمل منذ نزوله من بطن أمه، فإنه لا يمكن أن يحصل على المبلغ الكافي لشراء هذه الساعات السبع، وأن ذلك كان يتطلب منه أن يعمل سبعة إلى ثمانية عشر عامًا في بطن أمه. فأطلقوا عليه لقبًا جديدًا “ملك الساعات”. وقد ربط مستخدمو الإنترنت بين ساعة يد يانغ كاي توه وبين انهيار الجسر الثالث، وإن لم يكن هناك في الأساس أي علاقة بين ساعته وحادث الجسر. وما زاد شعوره بالظلم، أنه لم يكن يرتدي ساعات خلال السنوات الأخيرة منذ دعوة الحكومة المركزية لسياسة التقشف ومحاربة الفساد، ولكنه في صباح ذلك اليوم، ارتدى إحدى ساعاته وخرج لحضور حفل زفاف ابن أخته، رغبة منه في الظهور بمظهر مناسب أمام أهل العروس، بالإضافة إلى كون المناسبة مناسبة خاصة ليس لها علاقة باجتماعاته الرسمية، فوقع الحادث، مما اضطره لمغادرة الحفل والتوجه مباشرة إلى موقع الحادث، ونسي أمر الساعة بيده، ولكنه لم يكن يتوقع أن الشيء الذي نسيه هو ذاته الذي ركز عليه مستخدمو الإنترنت. فراح يانغ كاي توه يسب ويلعن:
– اللعنة على الإنترنت!
ميدل إيست أونلاين