سعد الله ونوس الإنكليزي (آدم شمس الدين)
آدم شمس الدين
سعد الله ونوس باللغة الإنجليزية على مسرح بابل. تكفي هذه المعلومة لكي تصبح حدثاً بحد ذاته. قبل سنة من وفاته، كتب ونوس مسرحيته الأخيرة «طقوس الإشارات والتحولات». عرضت المسرحية باللغة العربية في أكثر من مكان. بعد 17 عاماً على وفاته، سيعاد إحياء رائعته الأخيرة من جديد، ولكن هذه المرة باللغة الإنجليزية.
«طقوس الإشارات والتحولات»، مترجمة لأول مرة، بالإضافة إلى ثلاثة من أعماله (حفلة سمر من أجل خمسة حزيران، مغامرة رأس المملوك جابر، الأيام المخمورة) في مجلد ينتهي قريباً، عمل عليه عدد من المترجمين والأكاديميين، بمبادرة من مؤسسة «سيلك رود رايزينغ» في شيكاغو وتمويل مؤسسة «مكآرثر» الأميركية. اختيار «طقوس الإشارات والتحولات» لعرضها كان بناء على طلب المترجمين روبرت مايرز من الولايات المتحدة، وندى صعب (استاذة جامعية في اللبنانية الأميركية) اللذين عملا على ترجمتها.
بعد الانتهاء من الترجمة، طلب مايرز، من سحر عساف، تنفيذ العمل في مسرحية. كان ذلك بمثابة خدمة للمخرجة الشابة التي تدرّس صفوف المسرح في الجامعة الأميركية في بيروت. شكل ذلك تحدياً كبيراً لها، نظراً لأن العرض سيكون الأول من نوعه في العالم. لم تتردد بالقبول، سيرتبط اسمها، بعد عرض المسرحية ابتداء من الجمعة المقبل إلى الأحد، بالعمل المسرحي الأول لونوس بالانجليزية، والذي ينظر إليه النقاد على أنه من أكثر الأعمال المسرحية عمقاً وتجديدياً في المسرح الحديث.
اختارت عساف إشراك طلابها في العمل. أتاحت لهم الفرصة ليكونوا جزءًا منه. لم تسمح بحصول ذلك دون تحضيرهم بشكل كامل. حرصت على الاستعانة بأساتذة الاجتماع والهندسة والتاريخ، لإحاطة الطلاب بكل تفاصيل الفترة الزمنية التي يكتب عنها ونوس. يستند ونوس في هذا النص إلى حكاية تعود إلى القرن التاسع عشر يرويها فخري البارودي في مذكراته، وتتلخص في «أن مفتي الشام كان على خلاف مع نقيب الأشراف بسبب سلوكه وجهله، فلما قَبض قائد الدرك على النقيب في وضع مخزٍ مع إحدى المومسات، تناسى المفتي عداوته معه، مؤقتا، فاستبدل المومس بزوجة النقيب سرا، لمداراة الفضيحة، وهكذا أنقذ سمعة الأشراف، ودفع خصمه النقيب إلى الاستقالة لاحقا».
رغم هذا التوثيق التاريخي للحكاية، إلا أن ونوس يوضح في مستهل مسرحيته بان «أبطال العمل ما هم إلا ذوات فردية، تعصف بها الأهواء والنوازع، وترهقها الخيارات، وأنه من سوء الفهم الكبير إذا لم تقرأ هذه الشخصيات من خلال تفردها وكثافة عوالمها الداخلية، وليس كرموز تبسيطية لمؤسسات تمثلها». هذا التوضيح يكشف عن طريقة ونوس في استلهام الحدث التاريخي، فهو لا يرى في التاريخ «ركاما من الصور والأسماء والوقائع.. إنه تصارع إرادات، وتضاد رؤى ومصائر في سياقات فاصلة صدامية، تتراءى فيها الشخصيات في لحظاتها القصوى، اختيارا ومواقف». بناء على ذلك، لا يقدم ونوس التاريخ كمادة جامدة، وأحداث آنية؛ بل «يقدم تأملاً فردياً في التاريخ، أملاً في أن يتحول من خلال المشاهدين والقراء إلى تأمل جماعي».
عمق الشخصيات في مسرحية ونوس دفعت بالمخرجة إلى الاستعانة بمجموعة من الممثلين المحترفين، «حرصاً على أن يعطوا الأدوار المركبة حقها، حيث يصعب على الطلاب تجسيدها بكامل عمقها». والعمل، سيضم 35 ممثلاً، 15 منهم من المحترفين، والباقون من الطلاب، وان اقتصر دور بعضهم على الأدوار الثانوية. جوي عرب التي تدرس الفنون الجميلة في الجامعة الأميركية، أعطيت إدارة الإنتاج في المسرحية. بضعة أيام تفصلها عن العرض، لا توفر تفصيلا إلا وتعطيه أهميته، على المسرح، مع الممثلين، والعمال، تتولى أيضاً توزيع الغداء على العاملين في المسرحية. الاهتمام هذا غير مرتبط فقط بضرورات المهنة. تولي عرب اهتماماً استثنائياً لهذه المسرحية. الطالبة التي لطالما واجهت صعوبة في القراءة باللغة العربية، سمحت ترجمة أعمال ونوس، بفتح عالم جديد أمامها. مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات»، شكلت تحولاً بارزاً لديها. تقول إنها كانت تعرف مسبقاً مدى أهمية هذا العمل، وعندما قرأت الترجمة وجدت ما يدهشها. «يمكن عيب ما قريتها بالعربي، بس خلينا بالمهم». والمهم هنا ليس سوى اكتشافها أن هناك عالما من الأعمال المسرحية والأدبية لكتاب عرب ومسرحيين، لم تكتشفهم جوي حتى هذه اللحظة. بعد مسرحية ونوس سيكون جهد عرب مضاعفاً. «في الجامعة نحاط فقط بالأعمال الأجنبية، لا أدعو إلى المقارنة هنا، لكن غيابنا عن ذلك العالم ليس صائبا».
يلعب روي ذبيان دور صفوان، شقيق مؤمنة زوجة النقيب، التي تتحول إلى مومس تتخذ لنفسها اسم ألماسة. روي، يدرس الهندسة الكيميائية في الجامعة. اختصاص بعيد كل البعد عن المسرح. لكن شغفه بهذا الفن دفع به إلى أخذ بعض الدروس في المسرح، بالتوازي مع دراسته الأساسية. «عمل سابق عصره»، ببساطة يلخص ذبيان إعجابه بهذا العمل. يشرح أن ونوس كتب المسرحية في 1994، التي تعود بدورها إلى فترة زمنية هي القرن التاسع عشر.
ويتنبأ بحصول أشياء لم تبدأ بالظهور إلا في الآونة الأخيرة.
بعيداً عن فريق عمل المسرحية، يعتبر روبرت مايرز الذي عمل على ترجمة «طقوس الإشارات والتحولات» أن ونوس تنبأ في عمله الأخير بالتغيرات والتحولات التي ستعصف بالعالم العربي. انطلاقاً من ذلك، اخذ على عاتقه مسؤولية العمل على ترجمة المسرحية واختارها بنفسه من بين الأعمال الأخرى. يحلو لمايرز تشبيه ونوس بالأديب الروسي انطون تشيخوف. والتشبيه يعيده مايرز لسببين: ونوس تنبأ بالتغيرات التي ستحصل في العالم العربي، ولم يعش ليراها، وتشيخوف تنبأ بحدوث الثورة البلشفية سنة 1917 في أعماله الأخيرة، ولم يعش هو أيضاً ليراها.
العمل المسرحي الذي يعرض بعد غد الجمعة، في الثامنة والنصف مساء، في مسرح بابل، يستمر لثلاثة أيام، وهو مجاني، والسبب إتاحة فرصة حضوره لأكبر عدد من الأشخاص، قبل أن ينتقل فريق العمل إلى نيويورك.