سفارات الغرب تنتقل من التهديد إلى القبول بالأمر الواقع ..أجبرت تطوّرات الأحداث على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلّة، وردّ المقاومة المتواصل على الاعتداءات الإسرائيلية، سفراء الدول الغربية الأساسية، على تبديل لهجة التهديد والوعيد ضد اللبنانيين التي اعتمدوها في الأسبوع الأول من الحرب، وتقديم مقاربات مختلفة للوضع في لبنان.
ويوماً بعد يوم، ينتقل الموقف الغربي من لعب دور ناقل لرسائل الوعيد الإسرائيلية. إلى السعي لإقناع اللبنانيين باكتفاء المقاومة بـ«هذا القدر» من التصعيد.
بالتوازي، تنشغل سفارات الغرب بورشة تحضيرات لوجستية وعسكرية. تحسّباً لاندلاع حرب واسعة تضطّر معها الدول الغربية لتنفيذ خطط إجلاء وإخلاء للرعايا وأطقم السفارات على عجلٍ من الأراضي اللبنانية.
الضغوطات التي تمارسها السفيرة الأميركية دوروثي شيا
خلال الأسبوعين الأول والثاني، وعلى جولات، انطلقت السفيرة الأميركية دوروثي شيا بشكل رئيسي، لممارسة ضغوط على رئيسَي المجلس والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي أيضا. كما وقائد الجيش العماد جوزف عون والنائب السابق وليد جنبلاط أيضا. مطالبة بالضغط على حزب الله لوقف استهدافه للعدو، ومرفقة ذلك بتهديدات مباشرة بتدمير لبنان وعدم تحييد أي منطقة فيه. ولم توفّر جولة شيا اقتصاديين ونقابيين وأكاديميين ورجال أعمال لبثّ الذعر بينهم. ومثلها فعل زملاؤها الغربيون الذين تولّوا إشاعة معلومات عن قرار إسرائيلي بتدمير لبنان في حال تدحرجِ الحرب.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن رئيسَي القوات اللبنانية سمير جعجع والكتائب النائب سامي الجميّل، تجاوبا بسرور، مع مطالب شيا، بإعلان مواقف تحمّل حزب الله مسؤولية الحرب، والمطالبة بسحب المقاتلين من الجنوب. بعدما حرّضت شيا على إصدار مواقف لبنانية رسمية تدعو المقاومة إلى عدم الانخراط في الحرب. وعلى إدانة حركة حماس وحزب الله، وهو ما لم تحصل عليه.
اليوم، تشعر شيا بـ«خيبة أمل» من اللبنانيبين عموماً، لأنهم «لم يخافوا من التهديدات ولم يضغطوا على حزب الله»، مع رفض الرسميين الاشتراك في حفلة التحريض ضد المقاومة في لبنان وغزّة. واستشعار الأميركيين ومن خلفهم الغربيون، بوجود تضامن لبناني واسع مع قطاع غزّة وغضب من الغطاء الغربي المفتوح لإسرائيل للاستمرار في جرائمها ضد الفلسطينيين، إضافة إلى تبرير اللبنانيين لعمليات المقاومة ضد المواقع الإسرائيلية.
سفارات الغرب تنتقل من التهديد إلى القبول بالأمر الواقع
ولوحظ في الأيام الأخيرة، أن سفراء الدول الغربية، وأولهم شيا، تخلوا عن لغة التهديد ومطالبهم السابقة. وانتقلوا إلى القبول بالأمر الواقع باستمرار المقاومة في الرد على العدو، مع الإعراب عن الخشية من توسع المعركة. والمطالبة بحصر الردود ضمن الواقع الحالي.
وقالت شيا لمسؤولين ولشخصيات لبنانية، إنه «في حال التزم حزب الله بالسقف القائم حالياً من العمليات على طول الحدود فسيكون الأمر مقبولاً، وإسرائيل تتحمّل هذا القدر». وأن «الأمور ستختلف إن بادر الحزب إلى رفع السقف».
ونقل عن شيا وعن دبلوماسي بريطاني رفيع. أن «البحث في الحل السياسي صار وشيكاً». وأن «على لبنان عدم التورط في حرب تعقّد المساعي التي بدأت للوصول إلى حل في غزة. كما وأن زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن للمنطقة تهدف إلى الاتفاق مع إسرائيل على سقف سياسي وزمني للعملية العسكرية». فيما نقل عن الدبلوماسي البريطاني تأكيده أن «بريطانيا تنصح لبنان بألا يقوم بعمل يمنعنا من الضغط على إسرائيل. وتنصح إسرائيل بعدم القيام بأي عمل استفزازي يقود إلى حرب واسعة مع لبنان».
وتولّى دبلوماسيون آخرون توضيح موقف سفرائهم أيضا. والتأكيد على أن المقصود لم يكن تهديد لبنان بالمعنى الفعلي. إنّما التأكيد على أن «لبنان يعاني وضعاً اقتصادياً صعباً، وبالتالي تخشى الدول الأوروبية من انهيار الأوضاع فيه مع وقوع الحرب.خصوصاً بوجود مليونَي نازح سوري».
وعلمت «الأخبار». أن سفارات الغرب و السقراء الغربيين لا يزالون يبرّرون لإسرائيل مجازرها وجرائمها بحق أهل غزة والضفة الغربية أيضا. واستمرار دعمهم لما يسمّونه «دفاع إسرائيل عن النفس»، من دون طرح أيّ رؤية واضحة للحلّ السياسي للمعركة الحالية، والاكتفاء بالحديث عن هدن إنسانية ليس أكثر والإشارة إلى حلول سياسية مستقبلية.
الحشود العسكرية الأوروبية
أمّا بالنسبة إلى الحشود العسكرية الأوروبية، البريطانية والألمانية والإيطالية والفرنسية على وجه الخصوص، فيحرص الغربيون على توجيه رسائل التطمين. وأبلغ أكثر من دبلوماسي أن السفن الحربية والقوات الخاصة التي يتمّ تحضيرها ونشرها في أكثر من منطقة، مثل قبرص والأردن ولبنان وفي قواعدها في دولها، ليس لديها هدف الاعتداء على لبنان أو المشاركة في الحرب على غزّة. بل الاستعداد لتنفيذ خطط إخلاء مئات الآلاف من حملة الجنسيات المزدوجة في المنطقة. في حال اتّساع رقعة الحرب.
ويبرّر الغربيون الاستعداد لمثل هذه الخطط في لبنان (طالما، كما يقولون. إن أحداً غير مهتم باندلاع الحرب في بيروت). بأن تجربتَي أفغانستان والسودان لم تكونا مشجّعتين. حيث أصيبت الدول الأوروبية بالإرباك مع الانسحاب الأميركي المفاجئ واندلاع الحرب خلال ساعات في السودان. وهي لا تريد أن تعيد الكرّة وتعرّض حياة عشرات الآلاف من مواطنيها للخطر. فضلاً عن الخشية من عدم قدرة الدولة اللبنانية على تأمين الحماية الكافية وإدارة عمليات على هذا القدر من التعقيد. رغم أن الرئيس ميقاتي طلب رسمياً من الجيش اللبناني، تولّي التنسيق الميداني مع هذه البعثات. كما تقوم غالبية الدول الأوروبية برفع مستوى الإجراءات الخاصة بحماية مقرات بعثاتها.
على صعيد الاتصالات:
تولّى مندوبون عن الاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا واليابان وسويسرا ودول أسكندنافيا أيضا. الاتصال المباشر بحزب الله. مع تسليم الجميع بصعوبة الحصول على إجابات واضحة حول خطة الحزب ودوره في الحرب. فيما جاءت ردود الحزب قاسية على الدول التي أعلنت دعمها للعدوان على غزّة. فضلاً عن قيام بعض السفراء بزيارة دمشق واستطلاع الموقف السوري، بما يخصّ الجولان وجنوب لبنان أيضا.
إلى جانب التبليغات اليومية التي تقوم بها البعثات لمواطنيها العاملين في لبنان أو للبنانيين من حملة جنسياتها، فإن جديداً طرأ على برامج سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا ودول من شمال أوروبا أيضا. تمثّل في التواصل مع عدد تم اختياره بعناية، من اللبنانيين العاملين معهم، تحت عنوان «عدم ترك الأصدقاء عرضة للمخاطر». وأوضح معنيون أن الأميركيين يسعون إلى توفير ضمانات للعاملين مع منظمة «usaid». وآخرين يعملون في جمعيات تموّل من قبلهم أو من قبل الاتحاد الأوروبي، ويطلقون مواقف سياسية حادّة ضد حزب الله.
وبحسب المعلومات. فإن البعثات الدبلوماسية، أعدّت خطة إجلاء سريعة لنقل هؤلاء في حالة الحرب إلى قبرص، وأنها طلبت منهم معلومات شخصية مفصّلة عنهم وعن أفراد عائلاتهم أيضا. كما وحدّدت لهم الأمكنة التي يجب أن يتواجدوا فيها في حالة الطوارئ. وتمّ اختيار فندق على الساحل اللبناني وآخر في المتن الشمالي كمراكز تجمّع. أما الفريق الإداري الرئيسي في الجامعة الأميركية في بيروت، فإن الخطة تقترح نقله إلى مقر الجامعة الجديد في قبرص رغم أنه ليس جاهزاً بصورة كاملة بعد.