سفير الاحتلال السابق بالقاهرة: مصر تُخالف الملحق العسكريّ وتصرف مليارات الدولارات لتقوية جيشها
زهير أندراوس
أقرّت المستشرقة الإسرائيليّة سمدار بيري في تحليلٍ نشرته بصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، أقرّت بأنّ السلام مع مصر ما زال باردًا جدًا وبحاجةٍ ماسّةٍ للإنعاش، خصوصًا من طرف صُنّاع القرار في القاهرة، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ ما أسمته بـ “شهر العسل” الإسرائيليّ مع دول الخليج يزداد حدّةً بالتزامن مع “السلام البارد”، التجاريّ والمدنيّ، مع مصر، الأمر الذي يتطلّب من إسرائيل دفع الباب إلى الأمام لإدخال مصر ضمن هذا السلام الدافئ الحاصل مع الدول العربية في الخليج، على حدّ تعبيرها.
إلى ذلك، تصاعدت تحذيرات محافل أمنية للاحتلال، من تعاظم القوة التسلحية للقاهرة، والحديث عن استثمار مبالغ ضخمة في التعزيز العسكري، والطلب من الكيان عدم تفسير هذه الخطوات العسكرية بنوايا إيجابية، خشية حدوث تغيرات في الوضع السياسي بمصر.
وقال دافيد غوفرين سفير الاحتلال السابق في القاهرة إنّ “مصر تخالف الملحق العسكريّ في معاهدة السلام، إذ أرسلت عددًا من القوات لسيناء أكبر مما نصّ عليه الملحق، ويتجاوز ما وافق الاحتلال على تقديمه، خاصةً زيادة قواتها هناك التي تحارب المنظمات المسلحة، وهي تستثمر مبالغ ضخمة في التعزيز العسكريّ، رغم عدم وجود دولة تهددها، ورغم وضعها الاقتصادي الصعب، لكنها تنفق أموالاً طائلة على بنيتها التحتية العسكرية والمدنية شرقي قناة السويس”.
وأضاف في مقابلة نشرتها صحيفة (يديعوت أحرونوت)، أنّ دولة الاحتلال “مطالبة بأنْ تأخذ بعين الاعتبار القدرات العسكرية التي تبنيها مصر، وألّا تعتمد على تفسير ذلك لنواياها الإيجابية، لأنّها قد تتغيّر بسهولة مع تغيير النظام كما حدث في 2012 مع صعود جماعة الإخوان المسلمين”.
كيان إمبريالي مصطنع معاد
ووردت أقوال غوفرين مع صدور كتابه (الشراكة في ظل التنافس) عن علاقات القاهرة مع تل أبيب بعيونٍ مصريّةٍ، شارحًا أن “الطريقة التي ينظر بها المصريون للإسرائيليين تتسّم بالتنافر والتناقض، فهم يشعرون بالعداء والكراهية تجاههم، لأنّهم يعتبرون إسرائيل كيانا استعماريًا أجنبيًا مصطنعًا، واليهود جاؤوا من كل العالم ليستقروا في المنطقة العربية، ويحتلوا ويغتصبوا حقوق الفلسطينيين وأرضهم، ويهددوا هويتهم الثقافية العربية الإسلامية، فضلاً عن كونها منافسًا لمصر إقليميًا ودوليًا”.
واستدرك بالقول إنّ “مصريين آخرين يرون أنّ إسرائيل تتمتع بقدراتٍ علميةٍ عاليةٍ، وقوة تكنولوجية، ومستوى معيشي مرتفع، لكن النمط السائد بين المصريين هو خوض نضال ثقافي ودبلوماسي ضد إسرائيل، ومعارضة التطبيع، ومقاطعة النقابات التي تتواصل معها، ومواجهتها على الساحة الدبلوماسية الدولية، مع أنّ مصر الرسمية ترفض الاعتراف بمزاعم اليهود في الأراضي الفلسطينية، وادعاءات إقامة وطن قومي لهم فيها، وترفض الحركة الصهيونية بوصفها استعمارية، تحتل أرض الفلسطينيين، وتحرمهم من حقوقهم”.
وأوضح أنّ “المصريين يعتبرون إسرائيل كيانًا سياسيًا وُلد بالخطيئة، وإذا كانت في الماضي علامة استفهام بشأن اعترافهم بها في حدود 67، فاليوم وبعد هجوم حماس في أكتوبر هناك علامة استفهام بشأن الاعتراف الفعليّ بها في حدود 48 أيضًا، وبالتالي فإنّ السياسة المصرية تجاه إسرائيل تحكمها عدة مبادئ توجيهية، فهي من جهة تقيم علاقات دبلوماسية رسمية وسفارات وتعاون عسكري واقتصادي، لكنها في الوقت ذاته لا تقيم علاقات مصالحة وتطبيع وعلاقات ثقافية بين الشعبين”.
العدوّ التاريخي
ولاحظ السفير أنّ “إحدى السمات الرئيسية لحكم السيسي منذ وصوله للسلطة في 2014، وجود عملية تحديث واضحة وتعزيز هائل للجيش المصري في الجو والبحر والبر بتكلفة مليارات الدولارات، وبجانب تجهيزه بوسائل حربية متقدمة، تستثمر مصر الكثير من الموارد في تدريبه، وتحسين قدرته العملياتية، وبناء القواعد العسكرية والبنى التحتية ذات الطبيعة الدفاعية والهجومية”.
وزعم أنّ “هذه التطورات تتجاوز ما تمّ الاتفاق عليه في كامب ديفيد، مثل توسيع المطارات العسكرية شرق القاهرة في سيناء والعريش، وبناء مخابئ وخزانات جديدة، ومضاعفة الذخيرة، والاحتياطيات وتخزين الوقود؛ وإنشاء سبعة أنفاق أسفل قناة السويس، واتساع طرق المرور الرئيسية في سيناء إلى طرق سريعة”.
واستدرك بالقول إنّ “هناك تآكلاً مستمرًا في الملحق العسكري لاتفاقية السلام، ممّا يتجلى في إدخال المزيد من التعديلات على عدد القوات المصرية التي سمحت إسرائيل بدخولها لسيناء كجزءٍ من حرب مصر ضدّ الجماعات المسلحة، بما يعزز الجيش المصري، رغم أنّ مصر تتمتع بواقع جيو-إستراتيجي مناسب لا يوجد فيه تهديد لها من جيرانها، ومع ذلك يجري التعزيز العسكريّ”.
رفض التطبيع
وقال إنّ “وجود جمهورٍ معادٍ على الحدود مع الاحتلال يحرمه من حقه في الوجود، لأنّه يعارض التطبيع، بالتزامن مع عملية التعزيز الهائل للجيش المصريّ، الذي يرى في إسرائيل التهديد الرئيسيّ، ممّا يشكل خطرًا على الاحتلال، لا سيما في ظلّ الظروف المتغيرة من جهة تغيير النظام كما حدث في مصر عام 2012 مع صعود جماعة الإخوان المسلمين”.
وأكّد أن “أحد الدروس المهمة التي تعلمها الاحتلال من هجوم حماس في السابع من أكتوبر أنّه لا يثق في تفسيره للتطورات من حوله لنوايا الطرف الآخر، بل المطلوب دراسة ثقافته ولغته وطريقة تفكيره بعمق، ومتابعة بناء قدراته عن كثب، مطالبا بالانتقال مع مصر من (ثقافة الصراع) إلى (ثقافة السلام)، مع أنّها ليست مهمة سهلة في ظل معارضة قطاعات كبيرة من الجمهور المصري، بما فيها العناصر الإسلامية والناصرية، لأنّ مثل هذا التحول يتطلب استئصال المفاهيم القديمة والأحكام المسبقة والأيديولوجيات المعادية لإسرائيل”.
وختم: “كلّ هذا يتطلب تغييرًا عميقًا في الوعي الاجتماعي والثقافي المصري فيما يتعلق بإسرائيل، والطريق لذلك يمرّ عبر الكتب المدرسية ووسائل الإعلام والسينما والأدب، وهي عملية طويلة ومعقدة، لكنها ضرورية، في ضوء عدم وجود توجيه واضح وضوء أخضر من قادة النظام المصري لإقامة علاقات سلمية مع إسرائيل من جهة، بل زرع العداء والشكوك تجاهها، وهي وصفة أكيدة لنقل الصراع إلى الأجيال القادمة”، طبقًا لأقواله.
أمّا المستشرقة بيري فتساءلت بالختام: لماذا لا يستطيع رجل أعمالٍ إسرائيليٍّ، وكان هناك المئات منهم، بيع التكنولوجيا المتقدمة لمصر؟ ولماذا توقف عمل التعاون الزراعيّ الذي ازدهر في العقود السابقة، وهل هناك مجال للعودة لصناعة الملابس والأغذية التي توقفت في السنوات الأخيرة؟ والسؤال الأكثر وضوحًا لماذا تستمر السلطات المصرية بإغلاق الأبواب وعدم السماح بزيارات مواطنيها لإسرائيل؟
صحيفة رأي اليوم الالكترونية