سقوط العثمانية الجديدة في تركيا (ألميرا بايراسلي)

ألميرا بايراسلي


ترجمة: نهى حوّا

شكل فوز رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، الذي تحاصره المشكلات، في الانتخابات المحلية، انتصاراً باهظ الثمن بالنسبة له. فقد فاز حزبه، حزب العدالة والتنمية التركي، بنسبة تقارب 45 % من الأصوات، لكن تركيا ككل، وخاصة بصفتها لاعباً دولياً، خسرت دورها.
وقبضة أردوغان على السلطة على مدى عقد ونيف جرى إضعافها بفعل الاحتجاجات المناوئة للحكومة، والادعاءات المتعلقة بالفساد، والمواجهة الشنيعة مع رجل الدين القوي فتح الله غولن.
وفي محاولة يائسة منه لوقف مزيد من النزيف في سلطته، تخلى أردوغان عن سياسته الخارجية الطموحة، التي كانت الأساس في انبعاث تركيا الإقليمي في السنوات الأخيرة، ولجأ لمهاجمة أعدائه. ورئيس الوزراء الآن شديد التركيز على بقائه السياسي، لدرجة أنه حاول أخيراً، من دون جدوى، إغلاق موقع "تويتر" في جميع أنحاء البلاد.
وهذه الخطوة تبعد أشواطاً عن عام 2003، عندما صعد أردوغان إلى رئاسة الوزراء، وأعلن أجندة حازمة وديمقراطية لتعزيز الوضع الاقتصادي والدولي لتركيا. وفي مقابلة معه في أنقره بعد صعوده بفترة وجيزة، قال: "هناك ما يقرب من 72 مليون نسمة في هذه البلاد..
وأنا أمثل كل واحد منهم، وأمثل الجميع". وفي سبيل تمثيل الجميع، مارس ضغوطاً في سبيل إقرار القوانين التي تمنح مزيداً من الحريات للأقليات في تركيا، لا سيما الأكراد، وطبق السياسات الاقتصادية الهادفة إلى زيادة الاستثمار الأجنبي. ووصل إلى عواصم بعيدة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، حيث فتح عشرات السفارات والعديد من الأسواق الجديدة.

توسيع النفوذ

وكل الطرق التي تم إصلاحها، ومشاريع النقل التي تم اعتمادها، والمدارس التي تم أنشاؤها، والإصلاحات التي تم إقرارها، كل هذه الإنجازات تمت بأفق توسيع النفوذ الإقليمي والعالمي لتركيا.
وكان أردوغان في عام 2009 قد بدأ بالدفع بسياسته الخارجية "صفر مشكلات مع الجيران". وبنات أفكار وزير خارجيته، أحمد داوود أوغلو، تستند على فكرة أن تركيا ليست مجرد "جسر" أو "مفترق طرق" بين الشرق والغرب، وإنما لاعب أساسي لا يتجزأ من الدبلوماسية والأمن والتجارة الدولية، وسعت تركيا إلى توثيق العلاقات مع الجيران في البلقان وروسيا، ولا سيما الشرق الأوسط.
وسياسة "مشكلات صفر مع الجيران" وجهته نحو تعميق العلاقات مع جيران تركيا الجنوبيين والشرقيين، بما في ذلك إيران وسوريا، اللتين أصبحتا الشريكين التجاريين الرئيسين لتركيا.
وأطلق البعض على هذه السياسة تسمية "العثمانية الجديدة"، كمحاولة لاستعادة الإمبراطورية العثمانية السابقة، ومجدها الإقليمي الذي تلاشى. وبغض النظر عن التسمية، تمكنت تركيا من أن تصبح لاعباً رئيساً في السياسة الخارجية في أعين القادة الأميركيين والأوروبيين.
وسافر الرئيس أوباما إلى تركيا في عام 2009، وتحدث عن الأهمية الاستراتيجية للبلاد وازدياد دورها العالمي. ورفع القادة الغربيون من شأن تركيا خلال الربيع العربي، بوصفها نموذجاً ديمقراطياً تقدمياً ومزدهراً للدول ذات الأغلبية المسلمة. وأردوغان أخذ تركيا إلى أبعد من ذلك، باتجاه الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أكثر من أي زعيم قبله.
وهذا النموذج انهار الآن، وأجندة السياسة الخارجية الجريئة التي جعلت تركيا في المرتبة 16 كأكبر اقتصاد في العالم قد تلاشت. والاقتصاد الديناميكي أضعف، كما تراجعت ثقة المستهلك، وانخفضت قيمة الليرة التركية.
ومع حلول الأزمات المحلية، وجه أردوغان تركيزه نحو جمهور ناخبيه الأساسيين، السكان المحافظون والمناوئون للغرب إلى حد كبير في المنطقة الحيوية من البلاد.

تصعيد الخطاب

وصعد أردوغان خطابه العدائي ضد خصومه، في الخارج والداخل. فقضت استراتيجية الإدارة الحالية لأردوغان على السياسة الخارجية للبلاد.
قد يعتقد أردوغان أن تكتيكاته نجحت وفعلت فعلها. لكن على المدى الطويل، سيضطر إلى قبول واقع أن زيادة العدائية من قبله عزلت تركيا. وعندما يتعلق الأمر بالقضايا الإقليمية، فإن الولايات المتحدة الآن قد همشت دور تركيا بصورة كبيرة.

صحيفة البيان الأماراتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى