“سكاي نيوز” عربيّة تبت تقريرًا حول نقل الأتراك صواريخ “إس-400” الروسيّة إلى قاعدة “إنجرليك” مكان تمركز الأمريكيين وأنقرة تنفي فهل تكون اليونان بديلاً؟..
ترى الأوساط الخليجيّة أن التقارب الخليجي والإماراتي منه مع تركيا، يُسجّل ضمن التقارب الحذر، حتى مع ضخ الإمارات المليارات الاستثماريّة في تركيا، فالأخيرة لا تزال في موقف التباين السياسي والإعلامي من دول الخليج، خاصّةً السعوديّة، والإمارات، ولا تزال الملفّات السياسيّة الكبيرة بين البلدين عالقة.
الإعلام التركي والعربي منه على وجه الخُصوص، على عكس القطري الذي فرمل هجماته بعد قمّة العُلا التصالحيّة على السعوديّة، وبيان التضامن مع المملكة في أزمة تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حول حرب اليمن العبثيّة، إعلام تركيا سلّط الأضواء بكثافةٍ على تصريحات مُستشار الأمير محمد بن نايف سعد الجبري، وأخذ يصول ويجول في تبعاتها، ولم تقتصر تلك التغطيات وفق مُتابعة “رأي اليوم” على الشاشات التركيّة الخاصّة، بل كان لافتاً أن الشاشات الحُكوميّة أبرزت اهتماماً بالجبري، وفي سياق علّه أزعج السعوديّة بشَكلٍ أو بآخر، ويطرح تساؤلات حول تجديد حملات المُقاطعة للبضائع والسياحة والدراما التركيّة سعوديّاً.
تركيا التي تُحاول ترميم علاقاتها مع إدارة الرئيس جو بايدن، وإيقافه عن دعم الأكراد، والإفراج عن رجال أعمال قدّموا شهادات ضد “النظام التركي”، وبعد أن تمكّن الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان من اللقاء مع بايدن في قمّة العشرين في روما، حضرت بشَكلٍ بدا مدروس التوقيت أنباء إعلاميّة نقل منظومة الدفاع الروسيّة “إس-400” إلى قاعدة إنجرليك بولاية أضنة جنوبي البلاد، وهي القاعدة التي تتمركز فيها القوّات الأمريكيّة، وهي أنباء من شأنها أن تُغضب الأمريكيين وقد فعلت، إلى جانب تحفّظهم (رفضهم) أساساً شراء أنقرة للمنظومة الروسيّة، وتلقّت تركيا على إثر شرائها العُقوبات الأمريكيّة على قطاع تصنيع أسلحتها.
سارع المُتحدّث باسم الرئاسة التركيّة إبراهيم قالن للتعليق على مزاعم نقل المنظومة الدفاعيّة الروسيّة إلى قاعدة تمركز الأمريكيين الخميس، مُؤكّدًا أن وزارة الدفاع التركيّة نفت خبر نقل المنظومة إلى إنجرليك، وأن ادعاءات نقل المنظومة للقاعدة المذكورة غير صحيحة فبين الحين والآخر تظهر الشائعات والأخبار الكاذبة بغية إشغال تركيا في أجندات مُصطنعة.
هذه الأجندات المُصطنعة بحسب توصيف قالن، بدا أن لها علاقة بقناة “سكاي نيوز” عربيّة التي تُمثّل سياسات الإمارات، حيث بثّت القناة تقريرًا الأربعاء، تحدّث عن نقل بطاريات الصواريخ الروسيّة إلى قاعدة إنجرليك، وهي الأنباء التي نقلتها عن مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكيّة، وسارع لنفيها مسؤولون أتراك.
ورغم النفي التركي، عادت “سكاي نيوز” عربيّة، ونقلت أنباء أخرى حول نيّة الولايات المتحدة الأمريكيّة، وغيرها من دول حلف الناتو، نقل عتادها إلى من القاعدة التركيّة إلى اليونان، وتحديدًا الصواريخ الاستراتيجيّة، وهذا بكُل حال لا يُحسّن علاقات أنقرة بواشنطن، ولا يُحوّل العلاقة بينهما إلى استراتيجيّة كما جرى الإعلان بعد لقاء بايدن- أردوغان.
ويبدو أن تقرير “سكاي نيوز” عربيّة، قد ترك أثره السلبي، وبالتزامن كشف مراسل القناة في تركيا مهران عيسى عبر منشور على صفحته في “الفيسبوك” عن قرار القناة إغلاق مكتبها هُناك، ولم يشر المُراسل إلى أسباب سياسيّة للإغلاق، وعزاها إلى أسبابٍ إداريّة، تتعلّق بهيكلة المكاتب الخارجيّة، وهي هيكلة تزامنت للمُفارقة بحسب آراء مع أزمة أنباء نقل الصواريخ الروسيّة، مكان تمركز الأمريكيين، الساخطون على كُل ما هو روسي، وصفقات أسلحتها.
وتركت القناة إعلان إغلاق مكتبها التي تتّخذ من أبو ظبي مقرًّا لها، لمُراسلها في تركيا، كما لم يصدر تعليق تركي، حول طلب رسمي تركي من القناة إغلاق مكتبها على الأراضي التركيّة، وهو ما يطرح تساؤلات إذا كانت وجّهت أنقرة بإغلاق القناة، واعتبارها قناة غير مرغوبة بشكل غير علني، واكتفاء القناة إعلان ذلك على لسان مُراسلها، تجنّباً لأزمة سياسيّة جديدة علنيّة، تُعيد الأمور بين تركيا والخليج للمُربّع الأوّل.
وبالرغم من التقارب الخليجي- التركي الأخير، لم يتوقّف التراشق الإعلامي الخليجي على الإعلام والمنصّات، وشاركت بعض حسابات لنشطاء خليجيين في حملة الترويج لوفاة الرئيس أردوغان، والتي على إثرها فتحت أنقرة تحقيقاً مع 30 مُغرّد محلّي شاركوا في الترويج لمرضه ووفاته، وهي حملة دفعت بالرئيس أردوغان للخروج مُجدّدًا، ولعب كرة السلّة، لنفي الشائعات.
وعادت تركيا وفي خطوة تشي بعودة الهجمات الإعلاميّة الخليجيّة بالفترة الأخيرة إلى حجب مواقع سعوديّة وإماراتيّة وأخرى محسوبة على سياسة البلدين كانت قد رفعت الحجب عنها، في المُقابل لا يزال الحجب المفروض على مواقع تركيّة إخباريّة ناطقة بالعربيّة قائماً في السعوديّة، ومُنذ العام 2020، وأغلبها مواقع رسميّة حكوميّة.
ومن غير المعلوم إذا كانت أزمة قاعدة إنجرليك مع الأمريكيين، والتي ساهمت فيها “سكاي نيوز” عربيّة بشكلٍ أو بآخر، ستدفع إلى تدهور العلاقات التركيّة- الخليجيّة من جديد، وتُعيد ملفّات الاتهامات الكبيرة إلى الواجهة، ومنها الدعم التركي للإخوان المسلمين، واتهام أنقرة لأبو ظبي بدعم انقلاب “غولن” العام 2016، خاصّةً أن الكويت، وقطر هذه المرّة، قد عادتا للتحصّن خلف العباءة السعوديّة، وقرارتها، وتضامنتا معها في أزمة مُقاطعة لبنان، وإن لم تسحب الدوحة سفيرها من بيروت، وتخلّت الكويت عن حيادها المعهود، بكل الأحوال التقارب التركي- الإماراتي الذي حصل مُؤخّرًا تَركّز بالقضايا الاقتصاديّة (10 ملايين دولار دعم إماراتي لتركيا لتأهيل مناطق الكوارث) قُدّمت أخيرًا، وبقيت ملفّات السياسة عالقة بتحفّظ دون تنازلات كبيرة، فيما التراشق الإعلامي حاضر على اختلاف أشكاله، وتنوّع أهدافه، والرياض أبعد بخطوة للخلف من تقاربها مع أنقرة عن الإمارات.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية