يواجه مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، هذه الأيام، عاصفة ما فتئت تشتدّ حول سلسلة من القضايا، التي فُتحت تحقيقات في شأن بعضها، واحدة منها تتعلق بشبهة التلاعب في بروتوكولات جلسات «الكابينت».
وعلى الرغم من أن الدخان في شأن القضية المذكورة تصاعد منذ الأيام الأولى للحرب، يدور الاشتباه، راهناً، حول تغيير بروتوكول جلسة نقاش سرية وحسّاسة انعقدت للبحث في النشاط القضائي الدولي ضدّ إسرائيل في لاهاي؛ علماً أن جلسات الكابينت والمداولات السريّة يجب أن تكون مسجّلة، ليس من أجل التوثيق الأرشيفي التاريخي، والدقّة فحسب، وإنّما أيضاً لاحتياجات عملانية. ففي بداية الحرب، عندما كانت تُعقد جلسات الكابينت في «الكرياه» (مقر وزارة الأمن في تل أبيب)، كانت أجهزة الأمن الإسرائيلية تتولّى مسألة التسجيل، وفق ما هو متّبع في جميع الحروب السابقة، وهو ما حصل في آخر الحروب عندما قال الجيش إن تسجيل الجلسات وتوثيقها «ضروري في وقت الحرب»، غير أن مكتب نتنياهو لم يقتنع بذلك، وأمر بوقف عمليات التسجيل.
على أن تلك الحادثة لم تكن سوى حلقة في سلسلة من محاولات التزوير والتلفيق والتلاعب. فإحدى القضايا التي كشف عنها الصحافي في «هآرتس»، غيدي فايس، تتعلّق بإخراج وثائق سرية من سكرتارية الحكومة، حول الاستعدادات للسابع من أكتوبر. في حينه، أمرت المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف – ميارا، رئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، بإعادة البروتوكولات التي تم تجميعها. وبدأت الشبهات بتغيير البروتوكولات في أعقاب الرسالة التي بعث بها السكرتير العسكري السابق لنتنياهو، آفي غيل، لبهاراف – ميارا. وبحسب ما كتبه في رسالته، فإن موظفين في مكتب نتنياهو حذّروا غيل شخصياً من أن هناك محاولات من جانب أشخاص في المكتب لتغيير أو التلاعب في جزء من البروتوكولات المكتوبة والمسجّلة في عدّة جلسات. كما أظهرت رسالة غيل شبهات لمخالفات جنائية خطيرة، في مقدّمها تغيير البروتوكولات، وربما أيضاً تقارير أمنية.
وإذا كانت البروتوكولات هي محاضر الجلسات، فما هي التقارير الأمنية؟ وفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن اتصالاً من السكرتير العسكري بنتنياهو، على سبيل المثال، وإخباره بأن «حماس» بدأت عملية واسعة النطاق ضد إسرائيل، يُعرّف كتقرير أمني. فخلال عمل لجنة التحقيق الرسمية، سيكون فحص ردّ رئيس الوزراء على بلاغ من هذا النوع شديد الأهمية، إذ تطلب اللجنة الاطلاع على: كيف كانت استجابته؟ ما الذي أمر به؟ وما الذي عرفه أساساً؟
في الأسبوع الماضي، كشفت وحدة التحقيقات الشرطية، «لاهاف 433»، أنها بدأت، منذ أشهر، تحقّق في قضايا أمنية «تتعلّق بأحداث دارت في بداية الحرب». ووفقاً لبيان الوحدة، فإنه في إطار التحقيق «أُجريت عدّة أنشطة علنية»، وأن مسؤولاً رفيعاً في مكتب نتنياهو سيخضع للتحقيق.
قضية الوثائق السرية
إلى الشبهات بتغيير البروتوكولات، انضمّت أخيراً قضية تزوير الوثائق السرية، والمتّهم الرئيسيّ فيها، الناطق باسم مكتب نتنياهو للشؤون الأمنية، إيلي فيلدشطاين؛ وكذلك جمع معلومات ومواد حول رئيس الأمن السابق، يوآف غالانت، من كاميرات أمنية، وحيازة توثيق شخصي ذي محتوى حساس حول ضابط في الجيش. وفي مطلع الأسبوع الجاري، سُمح بالكشف عن أن فيلدشطاين، هو المعتقل بشبهة تسريب الوثائق السرية. إضافة إلى ذلك، اعتقلت الشرطة أربعة آخرين يخدمون في وحدة سرية في الجيش، من أجل وقف عمليات التسريب، والحفاظ على أسرار أمنية. وفيما أطلق سراح أحد المعتقلين وتم تحويله إلى الحبس المنزلي، إلا أن فيلدشطاين، وضابط استخبارات في الاحتياط اعتُقل بينما كان يقضي العطلة في إيلات، وجندياً ثالثاً، مُدّد توقيفهم حتى اليوم الأحد، علماً أن المحكمة حظرت نشر أسماء بقية المعتقلين، خشية الإضرار بأمن الدولة.
وفي إطار القضية، تحقّق الشرطة وجهاز «الشاباك» في احتمال تورّط فيلدشطاين في تسريبات أمنية جرت خلال الحرب، إذ يُنسب إليه تسريب وثائق سرية من الجيش لوسائل إعلام غربية، حيث قام، بتوجيه من نتنياهو على ما يبدو، بتزوير ما يُعرف بـ«وثائق السنوار»، وتسريبها لصحيفتَي «بيلد» الألمانية، و«جويش كورنيكال» البريطانية. وتشير إحدى الوثائق إلى أن السنوار «خطّط للهروب مع المختطفين عبر محور فيلادلفيا، إلى اليمن»، فيما تتحدّث أخرى عن خطط السنوار لنسف صفقة تبادل الأسرى. وتبيّن في ما بعد، أن الوثيقة التي استندت إليها الصحيفة البريطانية لا أساس لها من الصحة، وهو ما أجبرها على الاعتذار، وإزالة التقرير، وإقالة كاتبها. أمّا الوثيقة التي اعتمدت عليها الصحيفة الألمانية، فتبيّن أنها من مسؤولين من مستوى متدنٍّ في «حماس» ولا علاقة لهم بالسنوار.
توثيق ذو محتوى شخصي مُحرج يتعلق بضابط في الجيش
يوم الثلاثاء الماضي، أفيد بأنه بعد توجه عاجل لمكتب رئيس هيئة الأركان قبل عدّة أشهر، تبيّن أن مكتب رئيس الوزراء يحوز توثيقاً مصوّراً يتضمّن محتوى شخصياً حسّاساً يتعلق بضابط في الجيش، وقد عمل الأخير في مكتب نتنياهو، فيما يبدو أنه جرى استخدام الشريط المصوّر لابتزاز الضابط. وبحسب محلل الشؤون الاستخبارية والأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رونين بيرغمان، فإنه بناءً على الشبهات، ثمة علاقة بين هذه القضية وقضية تزوير البروتوكولات، وتسريب الوثائق السرية؛ إذ بإمكان هذه القضية أن توضح الطريقة التي تمكّن فيها مكتب نتنياهو من الوصول إلى وثائق سرية وتوثيقات تُعدّ الأكثر حساسيّة على الإطلاق. بمعنى آخر، قام مسؤولون في مكتب نتنياهو بابتزاز الضابط الموثّق بمحتوى شخصي حسّاس كي يحضر لهم أوراقاً ووثائق سرية.
شريط مسّجل لغالانت
أمّا القضية الأخرى، فتتمحور حول أن مستشارين ومقربين من نتنياهو يحوزون شريطاً مصوّراً لوزير الأمن المُقال، يوآف غالانت، مأخوذ من الكاميرات الأمنية لمكتب رئيس الوزراء في «الكرياه»، ويوثّق حادثة «محرجة» حصلت بين غالانت وحارس أمن في مكتب نتنياهو. ووفقاً لشهادات شهود عيان، فإنه بعد الحادثة، حصل الناطق باسم نتنياهو، يوناتان أوريخ، على الشريط الذي يوثّق الحادثة، وشاركه مع مسؤولين آخرين.
ودارت الحادثة المذكورة بعد خمسة أيام على اندلاع الحرب، في الـ12 من تشرين الأول 2023، في الساعه 13:40. وبناءً على الشهادات، دعا مكتب نتنياهو، غالانت إلى جلسة «كابينت»، وقيل له إنها ستُعقد في البئر في الكرياه. وصل غالانت إلى المكان، حيث اكتشف أن الجلسة ليست منعقده في البئر، وإنما في مكتب نتنياهو، حيث توجه وزير الأمن السابق متأخراً، ليمنعه حارس الأمن من الدخول. لكن حارس غالانت طلب من حارس المكتب فتح الباب، ولكن الأخير رفض. وعلى الفور، بدأت مواجهة جسدية بين غالانت والحارس. وحول هذه الحادثة، قال مسؤول سياسي إنه «في تلك الأيام، كانت ثمة محاولة من مكتب نتنياهو لإذلال غالانت من خلال عدم دعوته إلى المداولات الأمنية وجلسات الكابينت، واستثنائه من اتخاذ القرارات.
صحيفة الأخبار اللبنانية