سلمى لاجيرلوف.. النوبلية نجمة الأدب السويدي
تعتبر سلمى لاجيرلوف من أبرز وجوه الأدب السويدي في القرن العشرين، وخاصة أنها أصبحت من أعضاء الأكاديمية التي تمنح الجائزة في عام 1914 أي عقب فوزها بخمس سنوات فقط لا غير، وحين حصلت لاجيرلوف على جائزة نوبل عام 1909 كانت في قمة شهرتها وعطائها، وقد اعتبرت أصغر من نالها في السنوات العشر الأولى من القرن العشرين. وكانت أول “نوبلية” من السويد، بلد نوبل ومقر جائزته.
في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1858 ولدت سلمى في إقليم مارياكا الواقع لمقاطعة فارملاند الذي كان تابعاً لكل من النرويج والسويد معاً، وهو إقليم يقع وسط مناطق الجبال بين البلدين. وفي هذه المنطقة عاشت أسرة لاجيرلوف، وتربت سلمى بين أحضان أبيها عقب وفاة أمها وهي صغيرة السن، ورأت في أبيها مثالاً يحتذي به في الثقافة والأدب، حيث كان يمتلك مكتبة ضخمة، وكان يحفظ الشعر.
أصيبت وهي في التاسعة بشلل في الساقين أقعدها عن اللعب والحركة وأبعدها عن المدرسة، وساعدها ذلك على الانغماس أكثر في عالم القراءة، وعندما سافرت إلى استكهولم للعلاج، راحت تتردد على المسرح السويدي، وتطالع النصوص المسرحية، وما لبثت أن عادت إلى قريتها، وهناك بدت عليها البوادر الأولى لقرض الشعر.
بدأت سلمى حياتها بالتدريس في بلدة لاند سكرونا، وقد عرفت في عالم الأدب بعد نشرها “ملحمة غوستابرلنغ” سنة 1891 التي أذنت بالنهضة الرومانطيقية في الأدب السويدي، ثم نشرت سلسلة من الروايات والقصص القصيرة الرائعة التي ترجمت إلى عدد كبير من اللغات العالمية.
رحلت سلمى إلى فلسطين في مستهل القرن العشرين وأقامت ردحاً من الزمن في القدس، ووضعت بعد عودتها إلى بلادها سنة 1901 كتاباً ضمنته انطباعاتها من هذه البقعة من الشرق، ومن مؤلفاتها نذكر “الروابط غير المرئية” 1894، و”عجائب المسيح الدجال” 1897، و”أورشليم” 1901، و”كتاب الأساطير” و”رحلة نيلزهولغرسوتنر الرائعة عبر السويد” 1906، و”ملك البرتغال” و”البيت العتيق”، “حوذي الموت” 1912 ومن كتبها التي وضعت فيها حياتها “ذكريات من طفولتي”، و”مذكرات سلمى لاجيرلوف”.
لم تكتب سلمى لاجيرلوف إلا النثر، ولكن نثرها لم يكن مثل نثر الكاتبات لكي يسجلن عذاباتهن في الزواج والحياة أو عذابات الأخريات. إنها في عداد الكتاب السويديين الذين تجاوزوا نهائياً حدود بلادهم، قرأ كتبها ملايين الناس، ولكن هذه الكتب لا تمثل قيمة موثوقة في السوق الأدبية، أحبها دائماً الأشخاص ذو الخيال، ولكنها كانت غير محبوبة خلال العهود العقلية، والشيء الوحيد الذي لم ينكره الناس عليها دائماً هو مداها الملحمي، وهي التي كسبت له جمهوره الواسع.
لم يكن النجاح سوى عبء ثقيل على الكاتبة. رأت أن عليها التريث كثيراً قبل أن تقدم كتابها التالي، فراحت تدرس وتبحث، فابتدعت شخصية حكائية أشبه بجدتي في تراثنا القصصي، وقدمتها في روايتها “الروابط الخفية” المنشورة عام 1894 والتي تروي مجموعة من القصص الشعبية التي عاشت في قلوب الناس، وفي عام 1887 قدمت رواية جديدة تحت عنوان “معجزات المسيح الدجال”، وفي هذه الرواية راحت سلمى لاجيرلوف تنظر إلى الاشتراكية، التي كانت بوادرها تزدهر في أوروبا في تلك السنوات، باعتبارها المسيح الدجال في العصر الحديث، لأنها ملحدة، ولم يكن هذا يعني أن سلمى يمينية، مثلما يقول الناقد الفرنسي ريجيسبوييه، بل إنها كانت تدافع دوماً عن احتياجات المحتاجين والمعوزين، كما أنها وقفت دائماً ضد المناظير المادية التي جاءت بها الحضارات الرأسمالية.
وقد بدا هذا الموقف واضحاً في روايتها التالية “قصة ريفية” المنشورة عام 1899، والتي تدور حول الفتاة جوتر التي تبعث من جديد بعد موتها، وهي تعزف على الناي، من أجل إنقاذ فتاة أصابها الجنون عقب تجربة حب فاشلة.
ظلت سلمى تكتب حتى آخر لحظة في حياتها، وفي عام 1914 نشرت روايتها “حوذي الموت” وبعد عامين نشرت رواية “إمبراطور البرتغال” وقررت أن تعود إلى قريتها مارياكا واشترت الضيعة التي باعها أبوها قبل سنوات، واستقرت هناك حيث عكفت على كتابة مذكراتها التي عنونتها باسم قريتها في ثلاثة أجزاء استغرقت كتابتها بين عامي 1922 و1932، وهي تحت عناوين: “خاتم آل لوفنسكولد” عام 1925، “شارلوت لوفنسكولد” في نفس العام، ثم “آناسفارو” عام 1932.
ومع بداية القرن العشرين نحت الكاتبة إلى الاتجاه الديني، فنشرت رواية ضخمة من جزأين “رحلة إلى مدينة القدس” تقوم بها أسرة سويدية تنفى إلى فلسطين لكنها تجد هناك المأوى الروحي الذي يتناسب مع تدينها، وتعتبر رواية “القدس” بمثابة درة أعمال سلمى لاجيرلوف والتي يرجح أنها سبب فوزها بجائزة نوبل، وقد كتبت المؤلفة هذه الرواية أثناء ضائقة نفسية ألمت بها، دفعتها أن تذهب للحج إلى بيت المقدس لتعيش في رحاب بيت لحم حيث ولد وعاش السيد المسيح عليه السلام.
كما شهدت الكاتبة بعد ذلك تحولاً في أدبها، حيث اتجهت إلى كتابة قصص الأطفال، ورغم أن كتابها المنشور عام 1894 عن الروابط الخفية بمثابة قصص عن السحرة التي يعجب بها الأطفال، فإنها لم تكن تقصد الكتابة مباشرة للصغار في تلك المرحلة، ولكنها بعد اثني عشر عاماً من هذا التاريخ أرادت أن تقدم تجربة مماثلة لكاتب فرنسي قرأته عن رحلة طفلين إلى فرنسا، فتصورت طفلاً سويدياً يعشق التاريخ والجغرافيا، ويقوم برحلة عبر السويد، والغريب أن هذه الرحلة قد استغرقت عامين في كتابتها تحت عنوان “الرحلة العجيبة لنيلزهواجرسون في أطراف الريف” والتي تُعتبر أجمل قصص الأطفال المكتوبة في شمال أوروبا بعد حكايات أندرسون المعروفة.
تقول سلمى لاجيرلوف: “عندما أكتب أعيش في وحدة كبيرة وعلي أن أختار بين عيشتي وحدي وأنا أكتب وبين أن أعيش مع الآخرين فلا أقدر على كتابة كلمة واحدة”. (وكالة الصحافة العربية)
ميدل إيست أونلاين