سمات العهد الجديد في مصر (سمير كرم)

 

سمير كرم


هذا وقت التفاؤل والتشاؤم بشأن مستقبل مصر. والتفاؤل والتشاؤم أكثر المفاهيم رفضاً من قبل السياسيين، ومع ذلك، فإنهما الأكثر استخداماً. ويصلح الظرف الراهن الذي تمر به مصر لهذا الاستخدام. فمصر تنتقل من عهد الى عهد ومن نظام الى نظام. وهي تنقسم الى غالبية متفائلة وأقلية متشائمة. ويلاحظ مع ذلك أن الغالبية في مصر في الوقت الحاضر، لا تبدو معنية كثيرا بدواعي هذا التفاؤل لأنها تثق بأن انتماءها للغالبية بحد ذاته، يكفي للاطمئنان الى النتيجة المنتظرة.
وتبدو مصر اليوم مقبلة على عهد جديد لا يبدأ بثورة، بل بانتخابات رئاسية ونيابية في أعقاب ثورة قامت بها الجماهير أساسا، وتدخّل الجيش المصري فيها ليقوم بدور الحماية، وتطلب هذا الدور أن يقوم المشير عبد الفتاح السيسي بدور المرشح للرئاسة. والامر المؤكد هو أن أحدا من المصريين ـ ربما باستثناء المشير السيسي نفسه ـ لا يعرف من سيشكل أعمدة النظام الجديد مع السيسي. حتى منصب رئيس الوزراء لا سبيل الى التخمين إلى من سيؤول. الامر الذي يعرفه المصريون بكل توجهاتهم السياسية ـ سواء انتموا الى المتفائلين أو المتشائمين ـ هو ان المشير السيسي سيكون رئيسا للسلطة.
وقد لوحظ أن السيسي قدم نفسه الى المصريين لأول مرة بصفته رئيسا مرجحاً للجمهورية يوم الاثنين الماضي في أول لقاء تلفزيوني أجراه منذ ترشحه للرئاسة. وقد شدد على ضرورة استعادة ثقة المصريين بالدولة المصرية، وأشار الى أن قراره خوض السباق الرئاسي انطلق من واجبه الوطني إزاء التحديات والمخاطر التي تمر بها مصر. وفي هذا الاطار اهتم السيسي بأن يقدم نفسه في صورة الرئيس المتدين المعتدل، موجهاً انتقادات حادة للخطاب الديني الذي اعتبر أنه «أفقد الإسلام إنسانيته… وقدم الله بشكل لا يليق بمقامه العظيم». وقد اهتم السيسي خاصة بأن يؤكد ان انتخابه رئيسا لمصر «لا يعني أن الجيش هو الذي سيحكم البلاد»، كما اهتم بأن يؤكد للمصريين انه «لن يكون هناك شيء اسمه جماعة «الإخوان المسلمين»» خلال فترة رئاسته. وعن برنامجه الانتخابي، فقد وصفه بأنه «حلم قابل للتحقيق يقوم على ركيزتين، هما الأمن والتنمية».
وقد كان من الواضح في الحديث شبه الرسمي الاول للسيسي أنه يتجنب ـ قدر ما استطاع ـ أن يظهر متفائلا أو متشائما. وبالرغم من ذلك، فإن من يستمع اليه أو يقرأ ما قال لا يملك إلا أن يشعر بالتفاؤل أو التشاؤم بحسب ميله النفسي أو موقفه من السيسي نفسه. أما الأخير، فقد حرص على أن يكون أقرب الى الموضوعية وأبعد عن الذاتية والارتباط بالتفاؤل والتشاؤم. وهذا يعني اننا بصدد شخصية قيادية من طراز فريد، بل من طراز مطلوب في ظروف مصر الحالية. ان الابتعاد قدر الإمكان عن التفاؤل والتشاؤم قبل الانتخابات الرئاسية وقبل الدخول في شرح برامج رئاسية، ينطوي على بعد يتسم بالقوة والقدرة على مواجهة الظروف الآتية، خصوصاً أن مصر تنتظر أحداثا كبرى في كل مجالات الحياة السياسية ـ داخلية وخارجية ـ من الاقتصاد ودرجة نموه الى العلاقات الخارجية العربية والعالمية وما قد تكشف عنه من احتمالات.
وعلى الرغم من تعمد السيسي ـ أو ما نستشعره من تعمده ـ الابتعاد عن فلسفة التفاؤل والتشاؤم في كل ما يصرح به عن مصر في عهد «رئاسة السيسي»، إلا أن الإقبال الجماهيري العريض الذي يعطي للسيسي نسبة من الناخبين تتجاوز السبعين بالمئة، بكثير أو قليل، انما يعني ان جماهير الناخبين يحشدها للتصويت له نوع من التفاؤل بالمستقبل لا يمكن إنكاره. ولا يمكن فصل هذه الحقيقة عن تأكيد السيسي نفسه أن جماعة «الإخوان» قد انتهت وانتهى أمرها. انه هنا يحدد لرئاسته هدفا لا مهرب منه هو نهاية هذه الجماعة التي برهن توليها السلطة في مصر ـ على قصر مدته ـ ان كل كلام ودعوة الى المصالحة معها أو إتاحة الفرصة لها للبرهنة على قدرتها على تزويد مصر بالامن والتنمية، لا يستند الى أي أساس ولا يمكن الركون اليه. وهذا ما حرص السيسي على تأكيده، بينما حرص منافسه حمدين صباحي في انتخابات الرئاسة على ان يدع الباب مفتوحا له. ان هذه النقطة من الاختلاف بين السيسي المرشح و«الاخوان» كجماعة غير شرعية مآلها الإلغاء، هي واحدة من أهم النقاط المعبرة عن الاختلاف بينهما.
على الرغم من الاحداث الخطيرة الكثيرة التي تشغل العالم في الوقت الحاضر في كل القارات، فإن الحقيقة الاولى تنبئ بأن انتخابات مصر المقبلة وما سيليها من تغييرات وأحداث ستكون في المحل الاول من اهتمام العالم. ليس فقط بالنظر الى أهمية مصر ودرجة تأثيرها في المنطقة المحيطة بها والعالم ككل، بل بالنظر الى مغزى الانتخابات المقبلة في مصر بالنسبة للوطن العربي وبالنسبة للعالم الثالث ككل، وما تنتظره أميركا ووراءها أوروبا، لمعرفة دلالات النتائج التي ستسفر عنها.
ان أحداث مصر بعد الانتخابات المقبلة فيها ستكون بمثابة المقدمة لتأثيرات الدور المصري على أحداث كثيرة في مناطق البلدان العربية ومحيطها الواسع. سينظر العالم الى تأثيرات هذه الانتخابات على أحداث المنطقة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى