في بدايات الحرب في سوريا حضرت في بيروت تدريب حول ” الحرب وبناءالسلام ” كان من أروع التدريبات التي حضرتها على مدى عدة ايام . امثلة وقصص وتجارب كثيرة وعبر وحكم عن الحرب اللبنانية وكيف تمكن اللبنان من النهوض ومحاولةالتعافي والحياة من جديد ..
والى الآن وبعد مضي اكثر من ١٠ سنوات على هذا اللقاء ، ما زالت الفكرة الاساسية التي طرحناها وعملنا عليها مؤثرة في .. تدغدغني .. وأرددها ..
الفكرة التي اشتغل عليها نشطاء المجتمع المدني في لبنان في ذلك الوقت ، لاعادة بناء المجتمع اللبناني المهمش والمدمر من الحرب الأهلية الكارثية .. و لتضميد جروح الناس التي انهكتها واستهلكتها هذه الحرب الملعونة ، والسعي بجد لايجاد حل قد يهدئ النفوس ويلقى القبول عند جميع الأطراف المتنازعة والمقاتلة والتي دفعت أقسى الاثمان من شبابها وناسها ومستقبلها وأرزاقها ..
” سنسامح ولكن لن ننسى ”
جملة وقفت عندها كتير وحاولت أن افهمها اعيشها واستوعبها .. كم هو صعب هذا الكلام ..
كلنا نعلم مجازر هذه الحرب وقسوتها وكيف قتل الاخ اخاه .. و الجار قتل وأذى وسرق جاره .. والحقد والكره وصل لأعلى درجات الرغبة المستعرة بالانتقام والغاء الآخر وتدميره .
ماذا يعني ” أسامح ولكن لن أنسى … ” . كيف يمكننا أن نسامح شخصا آذانا ودمرنا وخرب بيتنا وقتل اهلنا وطموحنا ومستقبلنا واحلامنا …
كلام كبير … ومثالي وصعب جدا .
كيف ..؟؟؟ كيف ؟؟؟؟ فكان تفسير المحاضر ببساطة: انا بدي سامح كرمالي حتى أتمكن من تقبل فكرة أنه يمكنني أن أعيش مجددا مع هذا الشخص واقبل وجوده في الحياة لاني أتشارك معه البلد و الحارة والعمل والأرض والسكن …
في الحرب الجميع يرتكب الأخطاء ولو بنسب مختلفة. أنا أحاسب المجرم و أحاكمه وأقاصصه .. لكن في الحرب الاهلية الناس كلها تقاتل بعضها … الكل يحمل السلاح ويقتل الكل .. من سأحاسب وأحاكم .. ؟؟؟ الكل ؟؟؟؟ لن يبقى احد ليعيش و يبني ويكمل اعمار هذه البلد معي ..
لذلك خرجنا بشعار انا أريد أن اعرف الحقيقة وأحاسب المجرمين .. لن أغض النظر واتعامى .. وأنسى حتى لا أكرر نفس الاغلاط …
لذلك ” بدنا نسامح لحتى نقدر نعيش” .. ولكن لن ننسى حتى لا نعود و نكرر الغلط …
بعد ١٠ سنوات ، استحضر هذه العبارة العميقة والمهمة ، والتي تختصر كل العلاقات الإنسانية، ورغبة الحياة ، وأعاده الأعمار
كم هي بسيطة وكم صعبه التحقيق ، وكم نحتاجها اليوم لكي نستطيع أن نعيش معا.