سوريا: اللقمة الصعبة في لعبة الانتظار
مزحة ثقيلة ربما، أو جزء من «الحرب الاقتصادية» على سوريا، وفق وصف احد المسؤولين، تلك التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي عن «زيادة قريبة على رواتب المواطنين» السوريين، تصل حدود الخمسين في المئة.
الخبر الصحيح في نسبه لصحيفة «البعث»، يعود لعامين مضيا، ولكن لا تخلو كلماته من كل دلائل الحال الآن. إلحاح السؤال عن منفذ لحالة الضيق الاقتصادية الرهيبة في سوريا والمرشحة للتصعيد قريباً أيضاً، يترك المجال مفتوحا لكل أنواع الشائعات، أو حتى التصريحات التي تقارب في مضمونها الشائعة، ومن بينها قول المسؤولين الماليين في البلاد، أن الدولار سينخفض بشكل فجائي وكبير في الأيام المقبلة، وهي أيام مضت دون هذه النتيجة بكل حال.
يدرك المسؤولون في دمشق أن الأوضاع الاقتصادية المحلية لا تستطيع انتظار نتائج اجتماع فيينا اليوم، ولا نتائج التقارب الأميركي ـ الروسي، ولا تململ الروس من العودة إلى الميدان، ولا استعصاء تحقيق تقدم ميداني كبير على الحليف الإيراني.
في الفوضى الدموية والاقتصادية يدور كل من الجندي والمواطن نزولاً وصعوداً، دون منصة ممكنة للاستقرار.
ويردد اقتصاديون، في أكثر من مناسبة، أن استرجاع الليرة لمكانتها صار من الماضي، إلا أن المهمة الأعقد هي في الحفاظ على قيمتها الحالية، على الرغم من تدهورها. «من يستطيع أن يضمن ألا تتحرك الليرة نزولاً في الأسابيع المقبلة، وشهر رمضان على الأبواب؟».
الحفاظ على استقرار الليرة مرتبط بشكل كبير بقدرة المصرف المركزي على التدخل بكميات كبيرة ودورية تفوق قدرة السوق، وهو ما كان يجري في السنوات التي مضت، ولكن من دون أن يكون مرناً كفاية للتعاطي مع الصدمات التي كانت تأتي بشكل متقطع، وهو ما حصل الأسبوع الماضي، فتجاوز الدولار حاجز الـ600 ليرة، مرتفعا 20 في المئة تقريباً عن سعره المتداول خلال ساعات، فتقفز معه الأسعار اطراداً بنسبة تفوق الخمسين في المئة في بعض الحالات.
كما أن ذلك وفقاً للمراجع الاقتصادية ذاتها مرتبط باستقرار الأوضاع، وعودة الدورة الاقتصادية إلى ما يشبه سابق عهدها، واسترجاع الدولة لمواردها، هي كلها قضايا مرتبطة بالحرب، التي لم تعد تسيّر من دمشق ولا قدرة لها على إنهائها.
ويعتقد كثر أن «ثمة أمرين» لا مفر منهما ربما في المستقبل القريب، الأول «عودة الدولة لاستعادة مفاصل الإدارة الاقتصادية بكاملها»، كما كان يجري في الثمانينيات، عبر إمساكها بكامل الدورة الاقتصادية، على عكس ما جرى العمل على التحرر منه في العقود السابقة. وثانيا «عودة الدولة لنظام تقديم المساعدات»، عبر تداول قسائم غذائية للمواد الأساسية، بشكل واسع في مناطق سيطرتها.
ويعود الحديث عن هذه الاحتمالات مع مشاهد اليومين الماضيين من ازدحام أمام أفران الخبز التي تشبه مشاهد من عقود مضت، حين كان الخبز سلعة شبه احتكارية للدولة، وذلك بعد قرارات تقشف حكومية صدرت بحق المخابز وطرق تداول الخبز التجارية.
وكانت سياسة الدولة المتقشفة حينها، والاشتراكية الطابع هي الحفاظ على الحد الأدنى من القيمة الغذائية الممكنة للمواطن التي تسمح له بالبقاء حياً، دون كماليات الحد الأدنى، ومن بينها مناديل الحمام. وكانت حينها البلاد تحت وطأة حصار اقتصادي شديد، وسياسة حكومية موجهة ومركزية.
ورغم أن الحديث عن الثمانينيات يعود، لكن ظروف البلد في العهدين مختلفة، وغنية عن الذكر، حصيلتها أن الدولة التي كانت حينها لا وجود لها الآن، بمعايير عديدة، وهو ما يجعل قدرتها الحكومية على التدخل محدودة ومقيدة جداً.
وتنتظر الحكومة الحالية التي يُرمى على أكتافها الكثير من الفشل، إعلان انتهاء فترة سيطرتها لتحل محلها أخرى جديدة، ربما خلال شهر رمضان المقبل، ولكن من دون أن تتكشف طبيعة التركيبة المقبلة، وثقلها والذي يفترض كثيرون أنه في ظل الوضع الاقتصادي والخدمي الحالي يجب أن تكون «حكومة خدمية اقتصادية شديدة التخصص»، بالرغم مما يظلل الحديث عنها من احتمالات أخرى لها أبعاد سياسية ومرتبطة بالأزمة، وخياراتها بين حكومة مؤيدين خالصة أو حكومة مطعمة بمعارضين محليين.
ويغيب الاحتمال الأوسع تداولاً، مثل «حكومة وحدة وطنية»، ربما لأن اجتماعات جنيف لا تظهر بشائر حل، كما أن الميدان لا يغير توازنه، إلا في إطار حرب الاستنزاف الحاصلة برعاية الأميركيين والروس.
ويعتقد خبراء سوريون، تحدثت إليهم «السفير»، أن اجتماع فيينا «مهم، لكنه مجدداً مرتبط بتفاهمات هذين الراعيين في النهاية». وتبدو «عقدة حلب هي حجر الزاوية في مستقبل أي اتفاق»، ولا سيما أنه ما من اتفاق بين واشنطن وموسكو على لوائح الاستهداف، والتي لم تتوسع عن «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» بعد، رغم تحالف الأولى مع حلفاء واشنطن استراتيجياً في حلب وادلب، وصراع الأخوة في الغوطة. من طرفهم، يفضل الروس معادلة الإبقاء على نجاحهم العسكري في البادية السورية، وتعويم حلب كمنصة لانطلاق التفاهم السياسي.
كل هذا يجري انتظاره، على الجبهات، لمقاتلين لم يروا ذويهم منذ سنوات، ولمواطنين في تجمعات فوضوية أمام المخابز، ولطلاب لا يعرفون بعد، أن قسماً عظيماً من ذويهم، لا يعرف بعد كيف سيدفع مصاريف دراستهم للعام المقبل.
صحيفة السفيراللبنانية