سوريا: الهروب من الواقع.. بالحشيش!

على خط مواز لحالة النزف الاقتصادي المتتالي في سوريا، التي تحولت شوارعها وبيوت سكانها إلى ميادين للمعارك، والنزف المتزايد في الموارد البشرية، بدأت ظاهرة قديمة بالنمو بشكل مطرد في المجتمع، في ما يبدو أنه حالة هروب من الواقع، حيث تشير إحصاءات وزارة الداخلية السورية إلى أن عام 2015 كان أكثر الأعوام تجارة للحشيش في سوريا.

وبحسب الإحصاءات، التي سربتها صحيفة «الوطن» السورية، فإن «إدارة مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية السورية ضبطت في العام الماضي (2015) أكثر من ثلاثة أطنان من الحشيش، ونحو مليوني حبة كبتاغون، ما جعل هذا العام من أكثر الأعوام التي شهدت فيه تجارة المخدرات نشاطاً ملحوظاً»، في حين شهد العام 2014 ضبط طنين من الحشيش.

وفي الأسبوع الأخير من العام 2015، أعلنت وزارة الداخلية ضبط نحو 40 كيلوغراماً من الحشيش، كانت تعد في ما يبدو للتوزيع في الأسبوع الذي يشهد أعياد الميلاد ورأس السنة. ونقلت «الوطن» عن مصدر في وزارة الداخلية قوله إن اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، التي تترأسها وزارة الداخلية، شددت في اجتماعها الأخير على ضرورة إيجاد الوسائل التي تحد من هذه الظاهرة بشكل كبير، ولاسيما أن هناك الكثير من المحاولات لترويج هذه المادة داخل المدن السورية الآمنة.

وأشار خبير اقتصادي سوري، خلال حديثه إلى «السفير»، إلى أن «الانتشار الكبير للحشيش والحبوب المخدرة في الشارع السوري يترافق بشكل مطرد مع الحالة الاقتصادية السيئة التي تعيشها البلاد»، موضحاً أن « الحالة الأمنية السيئة في عدة مناطق، وانعدام فرص العمل ساهمت بشكل كبير في تنامي هذه الظاهرة، خصوصاً وأن المتاجرين بهذه المواد يجدون سوقاً مفتوحة أمامهم وطلباً متزايداً على المواد المخدرة».

وتفيد تقديرات المكتب المركزي للإحصاء في سوريا أن نسبة البطالة العامة تجاوزت الـ 53 في المئة، وأن نسبة بطالة الشباب قاربت 70 في المئة، في حين تم فصل عدد كبير من العاملين من العمل لأسباب مختلفة، فمنهم من هاجر أو تقدم باستقالته أو أخذ إجازات طويلة الأمد بلا أجر.

وتتوافق تقديرات المكتب المركزي للإحصاء مع دراسة كان أجراها «المركز السوري لبحوث السياسات» في العام 2013، حيث أفادت الدراسة حينها أن سوريا أصبحت بلداً من الفقراء. وجاء في التقرير، بعنوان «هدر الإنسانية»، أن ثلاثة أشخاص من كل أربعة فقراء، كما تراجع عدد الملتحقين بالتعليم بشكل كبير، ليصبح ترتيب سوريا 135 من أصل 136 دولة، بعد أن كانت تحتل المرتبة 21.

ويفيد تقرير نشرته وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، حمل عنوان «الاغتراب والعنف – 2014»، أنه ومع نهاية العام 2014، كان أكثر من نصف القوى العاملة (وتحديدًا 57,7 في المئة) عاطلاً عن العمل، بينما كان أكثر من نصف من يعملون (أي 55 في المئة منهم) يعملون في القطاع العام. وبما أن شرائح واسعة من المجتمع فقدت فرصتها في العمل وكسب الدخل فإن 4 من كل 5 سوريين يعيشون الآن في حالة من الفقر، بينما انحدر 30 في المئة من السكان إلى الفقر المدقع الذي يشير إلى عدم قدرة الأسر على تأمين الحد الأدنى من الغذاء الأساسي للبقاء على قيد الحياة.

تقديرات وزارة الداخلية السورية حول كمية الحشيش المضبوط تخص المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، في حين تتقاسم الفصائل المسلحة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، والتي تنعدم فيها ظروف الأمن، ما يوفر أرضاً خصبة لانتشار المخدرات بشكل كبير.

وكان مصدر سوري معارض كشف، لـ «السفير» مطلع العام 2014، أن تجار مخدرات وفصائل مسلحة بدأوا عمليات زراعة القنب الهندي المستخدم في صناعة الحشيش، الأمر الذي حول هذه النبتة إلى «محلية»، ما قد يعطي أيضاً تفسيراً للانتشار الكبير لها في سوريا، بالإضافة إلى انتشار المواد المخدرة في صفوف الفصائل المسلحة، وفق تأكيدات مصادر معارضة عدة أشارت، خلال حديثها لـ «السفير»، إلى أن هذه المواد تشكل أحد الحوافز للمقاتلين على جبهات القتال.

في ظل هذه «الانهيارات»، تشكل تكاليف المعيشة بدورها ضغوطاً كبيرة على المواطن السوري بشكل عام. فإضافة إلى انعدام فرص العمل، ارتفعت تكاليف الحياة بشكل كبير في سوريا. ويقدر خبير اقتصادي احتياجات العائلة للاستمرار في الحياة بنحو 400 إلى 500 دولار بالحد الأدنى، في وقت لا يتجاوز فيه راتب الموظف 100 دولار، خصوصاً وأن أسعار مختلف السلع شهدت قفزات متتالية.

أمام هذه الأحوال الاقتصادية السيئة، ربما وجد المواطن السوري في الحشيش فرصة للهروب من واقعه الذي تصبغه الدماء، وتسرق آخر ما تبقى في جيبه، ليغدو الحشيش المتنفس الوحيد له الذي يهرب خلاله من واقعه إلى عالم أحلامه، وإن لساعات قليلة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى