
في خضم الصراع الطويل والمعاناة التي مرت بها سوريا، يبدو أن خلافا حادا حول القيم والأخلاق والتي لم تعد ثابتة يتفق عليها الجميع ، بل أصبحت قابلة للتأويل والتبرير وفق المصالح الضيقة والأهواء الشخصية، من الطائفية إلى العنف، ومن قلة الاحترام إلى التطرف في الرأي والسلوك.
هذا الخلل العميق حول القيم والأخلاقيات الانسانية لا يمكن معالجته بالشعارات فقط أو الجدل العقيم، بل يتطلب إصلاحًا جذريًا على مستويات متعددة.
اولاً: تبدأ بحاجتنا الى عقد اجتماعي جديد
أي مجتمع يسعى للنهوض يحتاج إلى أساس قانوني وأخلاقي واضح يضبط العلاقات بين أفراده، ويحدد الحقوق والواجبات بشكل لا يقبل اللبس. العقد الاجتماعي الجديد ليس مجرد وثيقة نظرية، بل هو التزام جماعي بأسس العدل والمساواة واحترام الإنسان بغض النظر عن انتمائه أو رأيه.
لا يمكن لسوريا أن تتعافى دون وضع قوانين تضمن الحريات وتصون الكرامة وتحاسب كل من يخرقها،
بعيدًا عن الفوضى والعشوائية التي تغذي النزاعات وتؤجج الانقسامات.
ثانيا :إصلاح النظام التعليمي
إن بناء جيل جديد قادر على النهوض بالوطن يبدأ من التعليم، فهو الذي يشكل وعي الإنسان ويزرع فيه القيم التي تحكم سلوكه لاحقًا. نظامنا التعليمي بحاجة إلى مراجعة جذرية، بحيث يركز على غرس مبادئ المواطنة، وتعزيز التفكير النقدي، واحترام التنوع، بدلًا من تكريس التلقين والانغلاق الفكري. عندما يتعلم الطفل منذ صغره أن الاختلاف ليس عداءً، وأن الحرية مسؤولية، وأن القانون فوق الجميع، سنبدأ في تشكيل مجتمع متماسك قادر على تجاوز الأزمات.
ثالثا: الثورة ليست فقط تغيير نظام، بل بناء وطن
لم تكن الثورة السورية مجرد انتفاضة ضد الاستبداد، بل كانت تعبيرًا عن تطلع السوريين إلى وطن قائم على الحرية والعدالة والكرامة. لكن هذه المبادئ لا تتحقق تلقائيًا بمجرد رحيل نظام، الذي هو الخطوة الاولى على طريق بناء الوطن الذي نحلم ونريد والذي خرجت الثورة للمطالبة به حيث يتطلب بناء هذا الوطن عملاً جادًا ومستمرًا لإرساء أسس الدولة الحديثة. لا يمكننا أن نبقى في دائرة الاتهامات المتبادلة والنقاشات العقيمة، بينما الواقع يزداد سوءًا. المطلوب اليوم هو التركيز على البناء الحقيقي، والاستفادة من كل الكفاءات، وإشراك جميع مكونات الشعب في إعادة الإعمار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
رابعاً: تطبيق القانون هو الخطوة الأولى نحو الاستقرار
لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض دون سيادة القانون. فلا قيمة للحرية إذا لم تكن محمية بقوانين عادلة، ولا معنى للعدالة إذا لم تطبق على الجميع دون استثناء. يجب أن يكون القانون هو المرجعية الوحيدة لحل النزاعات، وليس القوة أو الانتماءات الضيقة. تطبيق القانون بشكل فوري وحازم، دون تمييز أو انتقائية، هو الخطوة الأولى نحو استعادة الثقة بين الناس وإعادة بناء الدولة على أسس سليمة.
اخيرا !! سوريا بحاجة للجميع
سوريا لا يمكن أن تُبنى بفئة دون أخرى، ولا يمكن أن تُدار بعقلية الإقصاء والاستئثار. البلاد بحاجة إلى كل أبنائها، بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم، شرط أن يكون الهدف هو المصلحة العامة لا المصالح الشخصية أو الفئوية. المهاترات والجدالات العقيمة لم تعد تجدي نفعًا، وقد آن الأوان للالتفات إلى العمل الحقيقي. فالمستقبل لا يُصنع بالكلام، بل بالفعل، ولا يُبنى بالبطولات الافتراضية، بل بالمشاركة الحقيقية في إعادة الإعمار وبناء المؤسسات.
لقد شبعنا هدماً، وحان وقت البناء. فهل نكون على قدر المسؤولية؟
بوابة الشرق الأوسط الجديدة