سوريا تحت حكم عائلة الأسد – سلطة قامت على الخوف والتلاعب بشعارات المقاومة
ماهر عصام المملوك

منذ عام 1970، دخلت سوريا مرحلة جديدة من الحكم بعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة بانقلاب عسكري سُمي لاحقًا بـ”الحركة التصحيحية”. منذ ذلك الوقت، لم تكن سوريا دولةً تُدار بمؤسسات بقدر ما كانت نظامًا فرديًا يرسّخ حكم العائلة والمخابرات تحت غطاء الشعارات القومية والممانعة. أكثر من خمسين عامًا من الحكم، تحوّلت فيها البلاد إلى ساحة مغلقة يحكمها مزيج معقد من الولاء المفروض، الخوف المزروع، والكراهية المكتومة.
اعتمد النظام منذ بدايته على أجهزة الأمن كأداة أساسية للسيطرة. انتشرت الفروع الأمنية في كل زاوية من المجتمع السوري، وكانت الاعتقالات والإعدامات، حتى على الشكوك أو الكلمات، وسائل ترهيب روتينية. عُرف سجن تدمر كمثال صارخ على العنف الرمزي والفعلي للنظام، حيث قُتل آلاف المعتقلين السياسيين في مجازر صامتة لا يُسمح بذكرها.
نجح الأسد الأب في خلق ما يمكن تسميته بـ”ثقافة الصمت”، حيث تعلم المواطن السوري أن أفضل وسيلة للنجاة هي أن لا يتحدث، لا يعترض، ولا حتى يفكر بصوت مرتفع. في المقابل، كان النظام يُكافئ الولاء المطلق بمناصب شكلية أو مصالح اقتصادية عبر شبكات محسوبية وفساد ممنهج، خاصة ضمن طائفة النظام أو من يثبتون الطاعة التامة له.
وحين ورث بشار الأسد الحكم عام 2000، لم تتغير بنية النظام، بل أعاد إنتاجها بأساليب أكثر “حداثة”، مستخدمًا التكنولوجيا والدعاية الإعلامية لتجميل القمع، مع الإبقاء على ذات أدوات السلطة: الأمن، الخوف، الفساد، وتفكيك المجتمع.
كانت شعارات “الممانعة” و”مقاومة إسرائيل” إحدى الركائز الكبرى التي تذرع بها النظام لقمع أي معارضة داخلية. لكن، وعلى مدار عقود، لم تطلق طلقة واحدة من الجولان المحتل، بينما كانت مدن الداخل تُقصف وتُحاصر عند أول مطالبة بالحرية. تحوّلت الممانعة إلى غطاء أيديولوجي يستخدمه النظام لتبرير سياساته القمعية وطلب الدعم من حلفائه، دون أي منفعة حقيقية للشعب السوري، الذي ظل غارقًا في الفقر، التهميش، والتخلف الاقتصادي.
أما على مستوى السياسات الخارجية، فقد زج النظام بسوريا في محاور إقليمية ودولية، كخدمة لمصالحه الضيقة وليس بناءً على خيارات وطنية. من التحالف مع إيران وحزب الله إلى الارتهان لروسيا، خاض النظام صراعات بالوكالة، لم يكن للشعب السوري فيها أي مكسب سوى المزيد من العزلة والعقوبات والانهيار الاقتصادي.
كان الاستقرار الذي يتغنى به إعلام النظام هشًا ومفروضًا بالقوة، ووراءه مجتمع مسحوق، لا يتكلم إلا همسًا. لم يكن استقرارًا حقيقيًا، بل تجميدًا لحياة سياسية واجتماعية وثقافية كاملة، مقابل بقاء العائلة الحاكمة.
خلاصة القول، حكمت عائلة الأسد سوريا بآلية دقيقة من الخوف والقمع والفساد والتلاعب بالشعارات. تم تحويل الوطن إلى مزرعة خاصة، فيها المواطن مجرد تابع. واليوم، وبعد أكثر من عقد من الثورة والحرب، لا تزال آثار هذا الحكم حاضرة في كل تفاصيل الحياة السورية، من الدمار المادي إلى الانكسار النفسي العميق إلى أن جاء يوم ٨ كانون الاول والذي حرر الانسان السوري من هذا النير وهذه الل (اللآم) وعوضنا الله في هذه الايام الواعدة ونتأمل ان تكون اجمل وتعوض مافات من مآس ومشاق وذكريات بائسة عبرت ولاتنسى على مدى الدهر وسوف تبقى في ذاكرة الشعب السوري عبر التاريخ .
ولا يسعني هنا إلا ان أتذكر في هذا المقام قول الشاعر أبو القاسم الشابي :
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد إلا ان يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر
بوابة الشرق الأوسط الجديدة