سوريا….تساؤلات تنتظر الواقع ليجاوب عليها (د. عادل رضا)

 

د. عادل رضا

"سوريا….تساؤلات تنتظر الواقع ليجاوب عليها" تتحرك المنطقة العربية بين مشاريع مختلفة متناقضة متضاربة و تجري معركة الطحن الدموي بلحم السوريين المساكين ويتم العمل بقوة على اعادة تغيير خارطة النفوذ الدولي بالعالم على الأرض السورية حيث تجري "معركة العالم ضد العالم "اذا صح التعبير , و تتحرك مشاريع إستراتيجية ضد مشاريع إستراتيجية أخرى.
 و إلى الان لدى المراقبين تشويش بالصورة لأن هناك غياب معلوماتي رهيب و تحرك استخباراتي بتدخلات عميقة يفاجي طرف من هنا وهناك في ظل سرعة الإحداث و تلاحقها. أن هناك أكثر من سيناريوهات لما سيحصل و يجري: فهناك من يطرح وجود تسوية سلمية يجري التحضير لها لتقاسم مناطق النفوذ الإقليمي لخلق نوع من الاستقرار بعد أن فشلت محاولات إسقاط الدولة بسوريا على مدى سنتين إلى الان , و يستطيع المراقب قراءة زيارة أوباما للمنطقة من هذا الباب ناهيك عن ذهاب وزير الدفاع الأمريكي إلي العراق و حركة الأمريكان بدعم المملكة الأردنية الهاشمية ماليا بشكل علني. و هناك من يقرأ نفس الأمور المذكورة بالاعلى على أنها تحضير لحرب عسكرية دولية قادمة تفرض الرغبة الأمريكية الصهيونية و المشروع التقسيمي الهادم لسوريا ابتداءا ليمر على جميع الدول العربية و يقضي على جميع الأنظمة الرسمية العربية و شعوب المنطقة"بفوضى خلاقة"!.
ان من يتحرك بهذا السيناريو يضيف معطيات أخرى تؤيد رؤيته من انفجار الوضع السوري كحرب دولية شاملة حيث يتم ملاحظة ما تم القيام به من الدفع بتعين مواطن أمريكي الجنسية على رأس حكومة سورية "مؤقتة" ينتمي قوميا إلى الأكراد مما دفع المراقبين المؤيدين لسيناريو الحرب القادمة إلى ربط ذلك بدور يلعبه أكراد العراق بالخفاء و خاصة أنهم يحملون أجندة قومية معينة تريد أقامة وطن قومي كردي ممتد على عدة دول و منها سوريا , وخاصة مع وجود خطوط يتم الحديث عنها مع الكيان الصهيوني تربط المجموعة القومية الكردية الموجودة كطبقة سياسية بالمشهد الكردي العراقي مع الصهاينة استخباراتيا و تجاريا و تاريخيا منذ أيام الراحل مصطفي البارزاني ناهيك عن الخيوط القديمة المعروفة مع وكالة الاستخبارات الأمريكية.
  من كل ذلك يتم الدفع بوجود دور ما للأكراد في العراق في التخطيط لحرب دولية تنهي المسألة السورية عسكريا , و لعل من يتبنون هذا الطرح تزايدت قناعاتهم به مع" المصالحة المفاجأة" التي قام بها رأس حزب العمال الكردستاني المعارض الأستاذ عبد الله أوجلان مع النظام التركي الحاكم و الذي فسره الذين يتحركون بسيناريو الحرب على أنه ترتيب لسحب ورقة الأكراد من يد الدولة بسوريا كما تم سابقا سحب ورقة حركة حماس من السوريين. كل هذا السيناريو يرتكز علي إن هناك اتفاق( كردي أمريكي) على الكعكة لما بعد إسقاط الدولة بسوريا يتمثل بالقبول الدولي بدولة كردية(عراقية سورية) يتم فيها ضم الجزء السوري من مناطق الأكراد إلى منطقة الحكم الذاتي الكردية العراقية و تأسيس الدولة"الحلم"الكردية القديمة في ظل التنازل الكردي بالمقابل عن الجزء الكردي الموجود بتركيا.
 ان أحد المعطيات التي تدفع بوجود مثل تلك الصفقة هو اللقاء التي تم بين أوغلوا وزير الخارجية التركي ومهندس علاقات النظام التركي الحاكم و السيد مسعود البارزاني قبل عدة شهور بمنطقة الحكم الذاتي الكردية بالعراق و يلاحظ إن تلك الزيارة تمت و تجاوزت الأعراف الدبلوماسية المفترض اتباعها مع ما يفترض أن يكون "حكومة عراقية" ببغداد؟! و المعطي الأخر هو ما تم القول عنه أنه مصالحة!
بين تركيا و الصهاينة و تقديم اعتذار شكلي للنظام الحاكم بتركيا الذي يتحرك بإسلام "أمريكي" يعيش استعراض الموقف و ليس الحركة المخلصة التي تخلق واقع تغييري على الأرض , و لعل المراقبين يذكرون: "دقيقة اردوغان الزمنية التي اعترض فيها على شمعون بيريز" التي تم الدفع بها استعراضيا ليتم سرقة الزمن العربي كله من خلال "دقيقة استعراض كلامي!".
فأي عداوة بين الإسلام الأمريكي و الصهاينة في ظل تبادل أنخاب الخمور!اجتماعيا بين قيادات النظام التركي الحاكم و قيادات الكيان الصهيوني؟ و أي عداوة عندما يرتفع التبادل التجاري بين الصهاينة و الأتراك إلى أرقام ملياريه مخيفة (أرتفع التبادل التجاري من الفان و خمسمائة مليون دولار إلى أربعة ألاف وخمسمائة مليون؟ و أية عداوة بين أول بلد "مسلم" يعترف بالكيان الصهيوني و يرتبط معه بحلف عسكري رسمي و موقع و معلن قديم مستمر إلى الان؟ هذه تساؤلات يطرحها من يراقب المشهد السياسي بعين "ما وراء اللعبة" و ليس بعين الدعاية و والبروباغندا والانفعالات العاطفية.
 كل هذا يدفع إلى قول بعض المراقبين إلي إن هناك عمل عسكري دولي قادم بعد انكشاف عدم القدرة على حمل الدولة العربية السورية على التفكك والانهيار وعدم تنازل السوريين عن مشروع الجبهة المشرقية الاستراتيجي الذي يتبنونه و يتحركون به.
 بين سيناريو التسوية و سيناريو الحرب القادمة يتم ملاحظة أن الروس قد دفعوا بسفنهم الحربية إلى مرفأ بيروت و من ثم إلى قاعدتهم العسكرية بمدينة طرطوس السورية و في نفس الوقت يعزز و يطلب الرئيس الروسي بوتين اقامة مناورات عسكرية روسية على البحر الأسود , مع تصريحات رسمية روسية على أن أي إسقاط للدولة السورية بالقوة سيكونون ضده و إن أي حركة عسكرية خارج مجلس الأمن هي مرفوضة منهم.
و يتم كذلك ملاحظة نشر منظومة صواريخ باتريوت العسكرية لحلف الناتو على أرض تركيا موجهة إلى النظام الإسلامي المقام على ارض إيران و في نفس الوقت قدم الروس إلى حلفائهم السوريين أرقى و اقوى منظوماتهم الصاروخية و هي منظومة اسكندر.
ان هذه كلها تساؤلات يطرحها من يراقب و يرصد المشهد السوري و حده الواقع الزمني القادم سيعطينا الإجابات الحاسمة التي ستكشف لنا مستقبل المنطقة , فقد يكون الدفع العسكري من الروس أو الأمريكان هو للحصول على نتائج أفضل لتسوية دولية مرتقبة بين صراع الأمم الجاري على ارض سوريا , و قد يكون العكس و هي إن ما يتم الكلام به عن تسوية ما هو إلا تهيئة المسرح لاندلاع صراع عسكري دولي شامل.

 

صحيفة الصباح الفلسطينية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى