
في حوالي سطرين. أوضحت وثيقة الأمن القومي الأمريكي التي صدرت قبل أسبوعين حالة سوريا فوصفت الوضع السوري بأنه (قلق محتمل) وأن (استقراره يحتاج إلى دعم) كي تستعيد سوريا عافيتها وتعود إلى دورها كدولة طبيعية ومحورية في المنطقة وهذا ما يصب ضمن المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط حسب الوثيقة.
المشكلة فيما ورد في هذه الوثيقة عن حال سوريا أنه جاء غامضا عاما ويحتمل تأويلات كثيرة. فمثلا لم توضح الوثيقة معنى ومصدر القلق المحتمل في سوريا. فهل المقصود بهذا القلق ما ينتج عن الانقسام الطائفي المستعاد إيقاظه؟؟ أم أنه قلق ناتج عن عودة داعش وإرهابها؟؟ أم هو قلق من الحال الاقتصادية المعيشية المتدنية والبائسة؟؟ أم أنه قلق بسبب وجود ايديولوجيا متطرفة لدى بعض المنضوين في فصائل الجيش الجديد؟؟ أم هو قلق من عدم وضوح فكرة الدولة السياسية ومعنى العمل المؤسساتي في تنشيط مكونات المجتمع في تفاعل يسعى للبناء والارتقاء؟؟ أم هو قلق مما يواجه مخاض ولادة الدولة الجديدة بدستور حديث وعصري وجامع وموحد للجميع؟؟ أم هو قلق لعدم وجود رؤية اقتصادية اجتماعية واضحة تدفع برجوازية سورية وطبقتها الرأسمالية و الوسطى للانخراط في إعادة العمران وتدوير عجلة الاقتصاد؟؟ أم هو قلق ناتج عن انتظار دستور مدني عصري وقوانين محفزه ضامنة وقضاء مستقل عادل؟؟ والسؤال الأهم. هل المقصود بالقلق ما يقلق السوريين في مسار تحقيق مصالحهم التي في تحقيقها تتحقق مصالح دول المتعاونين معها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؟؟ أم أن المقصود بالقلق الذي جاء في وثيقة الأمن القومي الأمريكي هو ما يخص المصالح الأمريكية فقط بغض النظر عما يقلق مصالح الشعب السوري بكافة مكوناته، خاصة وأن وثيقة الأمن القومي الأمريكي أكدت أن الإدارة الأمريكية لن تتدخل في طبيعة أي حكم أو قيادة في أي دولة عربية، وستترك للحكومة أو القائد في كل بلد حرية التصرف واعتماد الشكل الذي يرونه لدولتهم. وجاء ذلك في الوثيقة واضحا وبالنص (الأساس لنجاح العلاقات مع الشرق الاوسط فهو قبول المنطقة وقادتها ودولها كما هي والعمل معهم في مجال المصالح المشتركة فقط).
أما موضوع الاستقرار في سوريا، فقد نصت الوثيقة على أنه يحتاج لدعم ودون أن تذكر نوعية هذا الدعم ذكرت الجهات المطلوب منها والمتاح لها تقديم هذا الدعم. وحددتها ب (الدعم الأمريكي والعربي والإسرائيلي والتركي) والمفارقة أن الوثيقة عندما تشير للدور الإسرائيلي اتجاه سوريا تشير له باعتباره “دورا داعما” مع أنه كما يعرف الجميع هو دور شديد الإثارة للقلق والتوتر في سوريا. واعتبار الوثيقة الأمريكية لإسرائيل كداعم لاستقرار سوريا لا يشكل مفارقة سياسية فقط، بل يثير المخاوف تجاه الدور الإسرائيلي المعتمد من قبل مصالح الأمن القومي الأمريكي. وهذه المخاوف السورية تستدعي العمل السوري العاجل مع الادارة الأمريكية لإعادة وضع الحقائق في نصابها. إسرائيل عدو مثير للاضطراب والقلق حتى توقف عدوانها وتوسعها ويعيد ما احتل من أراض سورية. وتوقف تدخلها في الشؤون الداخلية السورية.
ما جاء في وثيقة الأمن القومي الأمريكي حول سوريا هو بالنص الكامل (وتظل سوريا مصدر قلق محتمل. لكن مع الدعم الأمريكي والعربي والإسرائيلي والتركي قد تتمكن من الاستقرار واستعادة دورها الطبيعي والإيجابي كلاعب محوري في المنطقة). القلق محتمل والاستقرار قد يستعاد. ورغم التعميم وعدم تحديد مصادر القلق، وعدم توصيف نوع الدعم فإن السوريون يعرفون ما يقلقهم ويعرقل استعادة دولتهم لدورها الطبيعي. ويقدر السورين الدعم العربي والأمريكي والتركي. لكنهم يستغربون بل ويستنكرون اعتبار إسرائيل داعما لهم، لأنها ببساطة عدو توسعي مثير للاضطراب والقلق ويعرقل اكتمال قيام الدولة السورية الجديدة ويزعزع استقرارها. وحرصا على الأمن القومي السوري علينا التوضيح للولايات المتحدة أننا حريصون على التعاون معها شاكرين مساعدتها لنا ودعمها لاستقرارنا. ومصرون على الانخراط في تبادل المصالح المشتركة معها. لكنهم في الوقت ذاته، يحرص السوريون على أن يوضحوا للإدارة الأمريكية أن الشعب السوري يعتبر إسرائيل عدوا، ولا يقبل أبدا اعتبارها داعما إلا بعد أن توقف عدوانها وتنسحب من الأراضي السورية التي احتلتها.
إن التعاون السوري المنتج والفعال مع الإدارة الأمريكية يستوجب توضيح معنى المصالح المشتركة للطرفين، لأن المصالح السورية لا تقبل بإسرائيل وعدوانها، خاصة وإنها لا تتدخل في ارضنا فقط بل تتسلل إلى شقوق انقسامات مجتمعنا وتشعل الفتنة المفككة للنسيج الوطني. وسوريا لا تقبل أي جهة تريد العبث بوحدتها الوطنية. وإذا كانت الولايات المتحدة حريصة على عودة سوريا إلى دورها الطبيعي الإيجابي المحوري في المنطقة، لابد أن تتفهم هذه المصالح الوطنية السورية، وترسم تعاونها وفقها سعيا لتحقيق الاستقرار والازدهار في سوريا والمنطقة. هذا ما يحقق مصالح الأمن القومي الأميركي بحق.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة



