
ذات مرة حضرت مسرحية بعنوان “الحجر لا يؤكل” لمؤلفها فيصل خليل، وقد تم فيها إجبار الفنان على صناعة كرسي يجلس عليه الزعيم الذي سيتولى الأمور، ونحن في هذه المادة لسنا بصدد مناقشة مقولة تلك المسرحية ولا الفنية التي قدمت بها في ذلك الوقت الذي سبق الأحداث التي جرت في سوريا بسنوات طويلة، لكن ما لفت انتباهي وبقي يطن في مسمعي هو صوت الممثل والصديق الجميل “فراس” المقبل وهي يشير إلى الزعيم كي يجلس على الكرسي مردداً بصوت يتذبذب بين الصدق والمراوغة والنفاق: على القياس يا سيدي.
منذ ذلك الوقت والسؤال لم يبرح خيالي: هل قدر على أهل سوريا العيش على القياس؟
كلامنا هذا نعني به على وجه التحديد القرار الأخير الذي أصدره اتحاد الكتاب العرب في سوريا، لنقول بعدها لقد تم فصل بعض الأعضاء الذين وقفوا ضد النظام في السابق، وبعد تولي السلطة الجديدة في البلاد جاء من يريد فصل الأعضاء الذين كانوا مع النظام، أو ربما من أجبرتهم ظروف الحياة على ذلك، وهذا يعني أن بعضنا يشتغل على مبدأ السداد، أو العين بالعين والسن بالسن كما يقولون، وهذا ليس صحيحاً برأينا لا في السابق ولا الآن، وخاصة على مستوى أهل الفكر والرأي على الأقل من جهة، وعلى مستوى المرحلة الجديدة التي جاءت لتخليص الناس من أعبائهم الثقيلة، وفتح المجال أمام حريتهم من جهة أخرى.
في وقت لا أذكره بالضبط قمت بزيارة الأديب والصديق سهيل الذيب رحمه الله في جريدة تشرين وهناك التقينا مع الأستاذ حسن م يوسف الذي جلس معنا بكل تواضع وتحدثنا في مواضيع شتى وعرفت فيما بعد أن الرجل صاحب إنجازات كبيرة يشار إليها بكل تقدير واحترام ، وأثناء الأحداث في بلادنا طلب مني أن أشتغل كتاباً عن القصة القصيرة جداً في العراق، وقد صدر بعنوان “أثر المكان في ال ” ق ق ج” وكان المرجع الرئيس هو كتاب الدكتور أحمد جاسم الحسين الذي يختص بهذا الشأن، ولعلي قد جزمت أنني عرفته من خلال كتابه المهم ذاك ويكاد يكون وحيداً ومتفرداً في الآن ذاته، ثم شاءت المصادفة أن حضرت الندوة التي أقيمت في المكتبة الوطنية بدمشق، وكان الدكتور الحسين مشاركاً فيها وقد تحدث عن الجراح التي ألمت بأهل سوريا أثناء الحرب وضرورة تطييب تلك الجراح والندوب الكثيرة ومداواتها، والحقيقة أن كلامه أعجبني وسررت به كثيراً، وبعد تعينه رئيساً للجنة تسيير الأعمال بأيام في اتحاد الكتاب العرب، مر من جانبي مبتسماً ولوح لي وهو يغادر متعجلاً مبنى الاتحاد.
قلت لجنة تسيير الأعمال، لأن مهمتها كذلك، وليس انتقاصاً منها، مما يعني يجب أن تسير الأعمال كما هو مطلوب منها من قبل القيادة السياسية، وبالتالي يجب عليها عدم اتخاذ قراراتها في كل شيء، وانتظار المؤتمر العام، وعلى كل حال هذا أمر سنعود إليه لاحقاً مع تفصيلات كثيرة.
المهم أننا جئنا على سيرة ما حدث، لنقول إن الإنسان السوري يمتلك طاقة كبيرة من المحبة والعطاء، فلماذا يصر بعضهم على تهميش الآخر أو سحقه وإلغاء وجوده نهائياً؟ ثم لماذا على الكاتب والأديب والفنان أن يكون رهينة أمام ما يريده السياسي؟ ألم يحن الوقت ومع كل هذا التطور الهائل في كل شيء أن يكون صاحب الفكر محايداً وبعيداً عن شباك العنكبوت التي تريد اللعبة السياسية أن تجره إليها؟ أليس من الظلم أن نحاسب الناس على وقت كان فيه الخوف سيداً يهيمن على كل شيء؟ ومتى يخرج الكاتب من إطار السياسة المبنية على اللحظة الراهنة وهل مطلوب منا أن نبقى كما ردد ذلك الممثل في تلك المسرحية قائلاً: على القياس ياسيدي؟
بوابة الشرق الأوسط الجديدة



