تحليلات سياسيةسلايد

سوريا وإسرائيل… هل تمضيان قدما نحو السلام؟

مايكل هراري

هل يُسهم السعي إلى تحقيق إنجاز طموح في تعزيز موقع الشرع

أدى انهيار نظام الأسد إلى تغيير جذري في المشهد الإقليمي. فمنذ أن تولى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع السلطة، ارتفعت التوقعات بإحداث اختراق في العلاقات بين سوريا وإسرائيل، وبلغت في بعض الأوجه مستويات غير مسبوقة. إلا أن الظروف الراهنة شديدة التعقيد، وتتطلب تفكيرا دقيقا بشأن ما يمكن تحقيقه فعلا، وما قد يكون متسرعا ومضرا بمستقبل المنطقة.

وفيما يلي بعض الجوانب الرئيسة من وجهة النظر السورية:

ومن بين التحديات الهائلة التي يواجهها النظام الجديد: غياب السيطرة الفعلية على كامل الأراضي السورية. إذ يُقدّر عدد الجنود الخاضعين لقيادته بنحو 55 ألفا، بمن فيهم مقاتلون أجانب. وقد جرى توقيع اتفاق إطاري مع الأكراد، الذين يملكون قوة عسكرية موازية في الحجم والكفاءة، إلا أن كيفية تنفيذه ما زالت موضع تساؤل.

يُظهر أحمد الشرع قدرا لافتا من البرغماتية، لكنه لا يزال مطالبا بردم الهوة العميقة بين الأيديولوجيا الإسلامية المتشددة، وقدرته الفعلية على تحويل ما هو مطلوب أو مرغوب إلى سياسات قابلة للتنفيذ. ويُضاف إلى ذلك التحدي المتزايد المتمثل في تدخل جهات خارجية، كتركيا وإسرائيل، فضلا عن الحاجة المُلحة إلى إطلاق عملية إعادة إعمار ضخمة تمتد إلى مختلف أنحاء البلاد.

أما العوامل التي تصب في مصلحة النظام الجديد، فأبرزها تذمُّر المجتمع الدولي من نظام الأسد، ما جعله يستقبل السلطة الجديدة بترحاب بالغ، رغم الشكوك التي تحيط بها. ويُعد تراجع النفوذ الإيراني وخروجه السريع من سوريا، الذي اعتُبر تطورا مفاجئا ومبشرا، مصلحة شبه عالمية، ويُنسب الفضل في ذلك إلى الشرع بدرجة كبيرة. أما سياسة الرئيس ترمب غير المتوقعة وغير التقليدية، فقد انحازت فجأة إلى جانب الشرع، بل وتبنّته بشكل واضح.

التساؤلات بشأن خلفية الشرع الأيديولوجية مفهومة، لكنها تقتضي الانخراط في موجة الدعم الدولي التي يحظى بها، والمساهمة في ترسيخ حكمه بما يخدم المصالح الإسرائيلية

أسهمت هذه العوامل، إلى جانب الخريطة الإقليمية الجديدة التي لا تزال في طور التشكّل، في تعزيز احتمال التقدم نحو اتفاق بين سوريا وإسرائيل. ولا يمكن التقليل من حجم التحول الذي طرأ على العلاقات بين البلدين خلال الأشهر الأخيرة، منذ سقوط نظام الأسد. ويكمن التحدي اليوم في كيفية دفع العلاقات السلميّة قدما، من دون إهدار الفرصة المتاحة، وفي الوقت ذاته من دون التسرع في خطوات قد تُقوّض الإمكانات الإيجابية المتاحة. ومن المهم، في هذا السياق، استحضار العبرة المستخلصة من اتفاق السابع عشر من مايو/أيار 1983 الفاشل بين إسرائيل ولبنان.

تواجه إسرائيل بدورها سؤالين رئيسين، أولُهما يتعلق بطبيعة سوريا التي ترغب في التعامل معها. فمنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، لم يكن موقف إسرائيل محسوما بين تفضيل استمرار حكم الأسد، “الشيطان الذي تعرفه”، وبين البدائل المطروحة آنذاك. وفي نهاية المطاف، اختارت الامتناع عن دعم إسقاط النظام بشكل مباشر. وقد أدى هذا الموقف، ولا يزال، إلى تفضيل ما يُعرف بـ”سوريا الضعيفة”، أي الدولة التي تفتقر إلى سلطة مركزية فعالة تفرض سيطرتها على كامل أراضيها. بل إن إسرائيل رحّبت، في بعض المراحل، باحتمال تفكك الدولة السورية. ومن هنا، بات من الضروري أن تحسم إسرائيل خيارها الاستراتيجي بوضوح.

أما السؤال الثاني، فيتعلق بالحاكم الجديد، أحمد الشرع. فالتساؤلات بشأن خلفيته الأيديولوجية مفهومة، لكنها تقتضي اتخاذ قرار حول منحه فرصة، والانخراط في موجة الدعم الدولي التي يحظى بها، والمساهمة في ترسيخ حكمه بما يخدم المصالح الإسرائيلية. والسؤال المحوري هنا هو: هل يُسهم السعي إلى تحقيق إنجاز طموح، كاتفاق سلام (من دون الخوض في مسألة الجولان!) أو حتى انضمام سوريا إلى مظلة اتفاقات إبراهام، في تعزيز موقع الشرع وترسيخ نظامه، وبالتالي دفع المصالح الإسرائيلية قدما؟ أم إن مثل هذه الخطوة، في هذه المرحلة، قد تعرّضه لمخاطر وتحديات جسيمة؟

وقد تُوفّر زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المرتقبة إلى واشنطن الأسبوع المقبل بعض الإجابات. ومع ذلك، من الضروري التفكير في مسار مسؤول ومتوازن لاتفاق إطاري محتمل بين إسرائيل وسوريا قد يتضمن ما يلي:

  • التزام متبادل بالعودة إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، مع خطوات وجدول زمني وضمانات تمكّن إسرائيل من الانسحاب إلى خط الحدود المتفق عليه.
  • تأسيس آلية ثلاثية ذات طابع سري، تضم إسرائيل وسوريا والولايات المتحدة، تهدف إلى التوصل لتفاهم بشأن “احترام سيادة الدولتين”، أي تحديد الظروف والتوقيت اللذين يمكن فيهما لإسرائيل وقف عملياتها العسكرية داخل الأراضي السورية.
  • إعلان مشترك رمزي لكنه بالغ الأهمية، يعكس تطلع الطرفين إلى إنهاء حالة الحرب والعداء بينهما، والانخراط في مسار متفق عليه نحو علاقات سلمية.
  • دعوة أميركية للحكومتين الجديدتين في سوريا ولبنان لتنظيم ترسيم الحدود البرية بينهما، بما يسمح بحل النزاع الحدودي بين إسرائيل ولبنان. ويتعيّن على واشنطن ضمان تبني هذا الطرح.
  • الاتفاق على تشجيع حوار مفتوح وغير رسمي بين الجمهورين في إسرائيل وسوريا، لا يهدف إلى التسرع في تعزيز “سلام دافئ” قبل التوصل إلى اتفاق رسمي، بل يهدف إلى الاستفادة من المناخ الحذر والمحدود السائد لدى الجانبين، بما في ذلك في لبنان، من أجل تخفيف التوترات واستثمار التحولات غير المسبوقة في المنطقة. وعلى إسرائيل أن تتعامل بجدية مع التصور المتنامي في الرأي العام العربي بأنها تسعى إلى “فرض أجندتها بالقوة” على المنطقة.
  • تشجيع تدابير لبناء الثقة، سواء على المستوى الإنساني أو الاقتصادي، بما يخدم الطرفين، دون أن يُفهم على أنه شكل من أشكال “الوصاية الإسرائيلية”.

في ضوء هذا المشهد المعقد في كلا البلدين وفي الإقليم عامة، يبدو من المناسب اتخاذ خطوة جريئة تستند إلى الواقع، لا إلى الأوهام أو الأمنيات المبالغ فيها.

مجلة المجلة اللندنية

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى