سورية الجميلة …هذه الخلطة العجيبة” كلها، في هذه الجغرافيا الشرسة، شرق متوسط لم يكن أبيض أبداً، منذ أول قرصان، حتى آخر انفجار في مرفأ شحنتة سفينة غارقة في بيروت.
هذه “الخلطة السحرية” المؤلفة من خمسة وعشرين نهراً، وآلاف البحيرات… انتشرت على ضفافها حضارات لم تزل آثارها تدلّ عليها…
هذه التمازجات، والتفارقات، والمضادات، في نسيج ساكنيها، والمهاجرين إليها، والهاربين منها، القاتلين فيها والمقتولين حبّاً بها…
هذه بلاد اسمها “سورية“:
جوامع وجامعات في جمعة واحدة.
سجناء وسجّانون على مائدة واحدة.
فقراء وأثرياء في كعكة واحدة.
حراميو اليوم، وحالمو أمس واحد.
شيبّحة ملثمون، وقفازات بيضاء.
ديمقراطية أرياف معزولة، وديكتاتورية مدن تزعم الحداثة.
مهربون نظاميون، وجمارك قيد الرشوة.
مظاهرة ومؤامرة.
أسود الداخل ونمور الخارج.
الأسماء المستعارة الفصيحة، والأسماء الحقيقية الفضيحة.
الغادرون والمغادرون. الطائفية والسلمية.
الأتراك الجدد، والعروبة القديمة. البنوك الحديثة وطربوش الجدّات.
التخوين والتطمين. التشريف والتخويف. الانتفاضة والانفضاض. الحراك والعراك. محطات تلفزيون. “الدنيا والآخرة”. الطهارة والشطارة.
هذه الخلطة الغريبة في بلاد لم تعش سلاماً أبداً منذ ألف وأربعمائة وخمسين سنة.
كل حرب فيها مقدسة… ولكن ليس هناك انتصار واحد مقدس… يسهل فيها قتل الصديق، ويتعذر فيها رفيق الطريق.
كيف تعيش هذه البلاد في تقاطع السكاكين، وكيف لا تموت بطعنة غدر متعددة الاستعمالات، أو بطعنة واحدة؟
تأملت مشهد الشجيرات التي اخضوضرت في قريتي، أمام بيتي بعد حريق، أشعلته قذيفة طائشة… فعرفت نوع هذه البلاد.
وتأملت ابتسامات منكوبيها في لحظات الود… فعرفت أننا نحب هذه البلاد.
ولكي تنجو، مثلما نجت عبر العصور، ينبغي أن نحبها أكثر.
هذه الخلطة الساحرة…
ينبغي ألا تقود خطانا إلى… سلّم الطائرة!