سورية : تساؤلات السياسة والثقافة والفن!
تبعات الحرب كبيرة فعلاً في حياة السوريين ، ولا يستطيع زمن قصير هضمها وتجاوزها، ومقولة أن (الزمن كفيل بحلها) تبدو ناقصة إن لم تشتغل الماكينات السياسية والثقافية والفنية عليه من خلال خطط عملية وصحية وواثقة بقدرة السوريين على إيجاد مخرج لكل الأزمات، وهنا يسأل البعض : كيف؟!
الجواب طبعا هو (الحوار)..
وللأسف ، الحوار معدوم تماماً في حياتنا. هناك خنادق سياسية وثقافية وفنية، وحتى اقتصادية، في المشهد السوري (في الداخل وفي الخارج)، لا يوجد منابر للحوار، وهذه الخنادق يمكن اكتشافها في التفاصيل التي تجري مع كل مستجد، وإذا كان المجتمع يحتاج إلى الحوار في الأزمات، فإن هذه الحاجة إليه تبدو اليوم أكثر ضرورة.
وعند كل منعطف سياسي أو ثقافي أو فني نسترجع المر، ولا نتطلع إلى المستقبل، وثمة من يقول إن الأهم هو تجاوز الحالة الاقتصادية الصعبة للشعب، وهذا التجاوز لن يأتي أبدا إلاّ من خلال أفق جديد لهذه الحالة.
وواقعياً لم تمنع الحالة الاقتصادية الصعبة أي طرف من الأطراف من المزيد من التخندق، وكأن استمرار الصراع هو الحل، ونحن نعلم أن من مصلحة الخارج (بكل أطيافه) استمرار الصراع ، والصراع هو استنزاف للجسد السوري بكل طاقاته وأطيافه وتعميق الخلافات والقطيعة بين شرائحه .
السؤال المنطقي في هذه الحالة يقول :
ــ إذا كنتَ سورياً، وتريدُ خلاص بلدك ماذا تفعل؟!
الجواب على الأرض هو المزيد من التشبث بالرأي، الأطراف تتشبث في آرائها، وكأن هذا التشبث يطوي الصفحة في نهاية الأمر، ونلاحظ ذلك في (السياسة) ، إذ لا يوجد أي أفق لحل سياسي للحرب في سورية نتيجة التشبث بالرأي، والسبب كما يتفق عليه الجميع هو التدخل الخارجي، إذن كيف نمنع التدخل الخارجي؟ نمنعه بالحوار بين السوريين طبعاً على قاعدة قدّم رأيك ولا تخف ، احرص فقط على مصلحة سورية.
ونلاحظ ذلك في الثقافة، والثقافة حتى الآن هي ثقافة حرب، وذلك ماتفعله الدراسات والتحليلات والمراجعات وحتى المنتجات الشعرية والروائية والقصصية من كل طرف، وثقافة الحرب يفترض أن تؤسس للخلاص من الحرب لا المزيد من التورط فيها ، ولكي لانتابع التورط فيها ينبغي الذهاب إلى الحوار الثقافي، والبحث عن قواسم مشتركة للبناء الثقافي الوطني عبر مشروع جريء يتطلع إلى مستقبل الأجيال القادم ويبني على وحدتها وشق الطريق أمام تطلعاتها.
ونلاحظ ذلك في الفن والإعلام ، والجميع يعترف بقوة الفن والإعلام في التأثير، وخاصة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة إضافة إلى السينما والدراما والمسرح، ويفتقد هذا الجانب إلى أي توجه لأداءٍ ملتزم بمصلحة المجتمع ووحدته ، فالمنتَج الفني والإعلامي هنا يقوم على إعادة تقديم صورة الصراع كما بدأ ، ولا يبحث عن الطريق لكي ينتهي، وتقوم منصات إعلامية جديدة خارجية، رغم الحاجة لتمويلها الكبير، بتسعير الخلافات والخروج عن منطق البحث عن حل.
أسئلة بحجم المأساة، والقادم قد يكون أكثر صعوبة من الحاضر والماضي، ولذلك ينبغي فتح حوار جدي بين السياسيين والمثقفين والفنانين لوضع ملامح حل وطني يقوم على أرضية صلبة عنوانها : الانتماء إلى وطن في خطر!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة