‘سوق نايف’ المكان كحدث.. حين نفتقد علاقات قديمة لم تمسح الخيانة الحديثة تفاصيلها

المكان ليس دوما موقعا جغرافيا، وهو بالتأكيد ليس جمادا لا يحفظ في ذاكرته وقائع تمر كل لحظة وكل دقيقة حوله. وحتى في صمته هو شاهد حزين على ما آلت إليه الحياة.

قد تكون هذه المقدمة فيها الكثير من التحليق حين يتعلق الأمر برواية “سوق نايف” للكاتب الإماراتي عبيد إبراهيم بوملحة التي تتحدث عن سوق هو واحد من أكثر الاسواق حيوية في دبي.

وبخلاف ما يوحي الأسم فأن “سوق نايف” لا يشكل المكان في رواية بو ملحة، بل الحدث. ولهذا دعنا نقرأ الرواية بصورة مختلفة. هناك الكثير من الشجاعة في كتابة هذه الرواية، وهناك الكثير من الخيال في قرأتها على الرغم من إن الرواية صور واقعية.

العمل الإبداعي حر وهذا أمر لا يقبل الشك، وليس مهما الآن معرفة من هو أكثر حرية الكاتب أم نصه، إلا أن التفاصيل اليومية تكون مخيفة للكاتب حين يستلهم منها رسالة أكبر. وهذا ما نجده في رواية بوملحة.

الرواية – الصادرة عن دار مداد للنشر والتوزيع بدبي 2016 – بنيت على كونها حدثا صوريا بمعنى أنها بلغة سينمائية ومع أنها تحاكي تجارب مماثلة، إلا أنها تقودنا لنهاية مرعبة لم تفصح عنها بشكل مباشر. نحن نفتقد الحنين، نفتقد اللحظات الصادقة، نفتقد علاقات قديمة لم تمسح الخيانة الحديثة تفاصيلها. وما حريق سوق نايف إلا تأكيدا لحرق آخر ما تبقى من مرحلة كانت فيها القيم أكبر من السوق. إنه الانسان الذي يعيش تحولات، لذا لم يبق للمكان من حكاية سوى تبديل جلده وذاكرته أو الهجر.

لكن الصراع الحقيقي في هذه الرواية بكل تفاصيلها وأحداثها يأتي من السؤال إن كانت شخصية الرواية المحورية “محمد” بطلا لها او شاهدا على أحداثها؟ وغالبا ما يتم الخلط في ذلك حد الطعن في الوظيفة الاجتماعية للرواية وبنيتها. غير إن بو ملحة صنع من البطل شاهدا، ومن الشاهد بطلا. وهو حل مناسب في رواية اللغة والصور السينمائية.

هناك مشادة دائمة بين الايديولوجيا وبين الخطاب المثالي، وكلاهما في حرب مع بنية الرواية وشخصياتها وتلقائيتها. وقد تحرر بو ملحة من هذه المشادة، لكنه واجه هذا الأمر بكتابة النص ليكون صورا سينمائية متلاحقة. هذا النمط من الأعمال الأدبية تكمن صعوبته في حساسيته ومن الوقوع في المباشرة التي تجاوزها الكاتب مضمونا من خلال الذاكرة وكون الحدث في روحه نحن جزء منه.

بو ملحة يريد من رواياته ان تحمل مثله وأخلاقياته، وتلك مهمة عسيرة، وتخلت عنها الرواية الحديثة، وعندما يكون الخطاب أخلاقيا دعنا نتحدث عن القيود. لكني دوما أردد مقولتي “ما الذي سيغير هذا العالم غير الأمل” وهذا ما اكتشفته في هذه الرواية، وسيكون علينا التعامل بحكمة مع هذه المقولة التي تذكرتها حين انتهيت من “سوق نايف”.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى