سياسات مردوخ (عرض/ زياد منى)


عرض/ زياد منى

 

-الكتاب: سياسات مردوخ: كيف تشكل شهوة فرد للثروة والسلطة عالمنا
-المؤلف: ديفيد مكنايت
-عدد الصفحات: 260
-الناشر: بلوتو برس، لندن
الطبعة: الأولى/ 2013

كل من يتابع الصحافة الغربية، خصوصًا في الولايات المتحدة وبريطانيا، وإلى درجة أقل في أستراليا، يعرف روبرت مردوخ, صاحب الإمبراطورية الإعلامية العائلية التي نالت أخيرًا نصيبًا وافرًا من الشهرة السلبية الناتجة عن مجموعة من الفضائح المرتبطة بالتنصت على هواتف وبريد مجموعة من الأشخاص أخبارهم تهم المجتمع على نحو عام، والمجتمع المتفرغ لمتابعة أخبار الفضائح الشخصية على نحو خاص.
فقد فجرت فضيحة تنصت عاملين في صحيفته الإنجليزية الشعبية نيوز أوف ذا وورلد على اتصالات مجموعة من الشخصيات العامة، مثل الممثل الإنجليزي هيو غرانت، ومن ثم على أفراد في العائلة المالكة، غضبًا عامًا في بريطانيا، ما دفعه إلى إغلاق الصحيفة التي كانت تدر أرباحًا جيدة على صاحبها.
هذا الكتاب هدفه فضح، إن صح التعبير، ممارسات إمبراطورية مردوخ في المجال الإعلامي التي يبلغ وزنها المالي نحو 30 مليار دولار تعود عليه بأرباح كبيرة يوظف ما مقداره ستة مليارات دولار للتأثير في السياسات، وتوضيح أن هدف صاحبها سياسي، أي سلطوي في المقام الأول، وذلك عبر كشف آرائه السياسية.
كما يعمل المؤلِّف، وهو أستاذ مساعد في مركز الصحافة والإعلام في جامعة نيو ساوث ويلز، وعمل من قبل في الصحافة الأسترالية، على توضيح أن الهدف الأساس لهذه المؤسسة الإمبراطورية تثبيت سياسات محددة، وقيادة ما يعرف بالرأي العام في اتجاه سياسي محدد هو الليبرالية الجديدة. وبناء على ذلك فإنه يتبع أساليب تتنافى، كما يرى الكاتب، مع القيم التي تعمل الصحافة في الغرب ضمنها وتحت مظلتها.
تأثير إمبراطورية مردوخ الإعلامية ليس محصورًا فقط في بريطانيا وأستراليا، وإنما أيضًا في الولايات المتحدة الأميركية حيث يملك مجموعة المؤسسات الإعلامية أشهرها قناة فوكس التي ولدت في العام 1996 وتدر عليه أرباحًا كبيرة ناتجة من الإقبال عليها، حيث من المعروف أن عائدات هكذا مؤسسات مرتبطة بعدد المشاهدين، وبالتالي بكمية الدعاية التي تفوز بها، وسعرها في الثانية الواحدة.
هذه حقيقة معروفة، حيث إن الإعلام مرتبط دوما بجمهوره ومدى ارتباطه به. لكن هذا في الوقت نفسه يقود إلى سؤال وتساؤل: هل سياسة مؤسسة إعلامية محددة تقررها رئاستها أم ممولوها من واضعي الدعايات في الوسائط الورقية أو الفضائيات!
المؤلف استحضر كما كبيرا من الأمثلة على تدخل مردوخ في السياسة وتأثيره، أو لنقل محاولة التأثير فيها، من خلال تأييد هذا الطرف أو ذاك، أو هذا الحزب أو ذاك، ومثال ذلك تأييده رونالد ريغان والراحلة مارغريت تاتشر، وسياسات عائلة بوش وما إلى ذلك. أي وقوفه إلى جانب الحزب الجمهوري ضد الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، ومع توني بلير في بريطانيا أولا ثم الانقلاب عليه، وهكذا.

مردوخ وسياساته الإعلامية

في الواقع أن الكتاب، رغم ما يحويه من تفاصيل وأمثلة مهمة عن ممارسات مؤسسات مردوخ الإعلامية، وما يقال عن تأثيرها في ما يسمى الرأي العام، تبقى المسألة الأساس، من وجهة نظرنا، موقع الإعلام في البنية السياسية في دول الغرب، أو ما يعرف بالديمقراطيات، التمثيلية أو النيابية، حيث ترفع عاليا رايات كبيرة مكتوبا عليها حرية الرأي وحرية التعبير والصحافة الحرة وما إلى ذلك من لغو معروف لكل من يدرس جوهر النظام السياسي الغربي، كائنا اسمه ما كان.
الواقع أن الإعلام ودوره في صياغة رأي عام في دول الغرب الصناعي تجاه قضية ما مسألة إشكالية للغاية، لا يتطرق إليها الكتاب. فشعارات كبيرة مثل حرية الصحافة وحرية الرأي وحرية التعبير وما إلى ذلك وجب التعامل معها من منظور عميق.
فحرية التعبير، تعني أن يفسح المجال لكل مواطن لديه رأي بالتعبير عنه ونشره والدفاع عنه وما إلى ذلك. لكن حرية الصحافة تعني في الغرب حرية من يمتلك المال والمقدرة والعلاقات على دخول عالم الإعلام في دولة ما والتأثير في القرارات السيادية التي تتخذها دولة ما، بعيدا من تأثير خارجي محتمل، ومن منظور محايد، قدر الإمكان.
هنا يكمن نقد المؤلف لمردوخ وسياسات مؤسساته الإعلامية حيث تنحاز إلى طرف محدد بهدف التأثير في القرارات السياسية، وبالتالي الاقتصادية، من تأييد العولمة والخصخصة، إلى محاربة سياسات حماية البيئة التي تحد من تأثير شركات محددة في صنع السياسات ذات العلاقة، إلى التحريض على شن الحروب حيث مارست دورا محرضا في العدوان الأنغلوأميركي على العراق، وغير ذلك من الحروب.
المؤلف يتناول في تسعة فصول كل هذه المسائل بالتفاصيل الدقيقة عبر تقديمه معلومات عن لقاءات واتفاقات وتفاهمات بين سياسيين ورجال أعمال تزيد من تأثير إمبراطورية مردوخ في عالم السياسة. وقد خصص أحد الفصول للحديث في الدور الذي مارسته إمبراطورية مردوخ الإعلامية في التحريض على غزو العراق، وفصلا آخر لمسألة التغير المناخي والإسهام في نشر واع لمعلومات مغلوطة عن الأخطار المرتبطة بهذا الأمر على البشرية.
كما يخصص المؤلف قسما من الكتاب للكشف عن ارتباط مؤسسات بإمبراطورية مردوخ عبر تحكمه في ميزان التصويت داخل مؤسساتها بسبب امتلاكه حصة من أسهم هذه أو تلك من الشركات.
كما يوضح المؤلف أن إمبراطورية مردوخ عائلية بامتياز وهو يحضر لتوريثها لأبنائه من بعده. وهنا يورد المؤلف بعض الحقائق غير المعروفة عن النتائج السلبية لحياة مردوخ العائلية في المؤسسة، حيث أدى طلاقه من زوجه أنّا مردوخ وزواجه من وِندي دنغ إلى حدوث بعض التفتت في هيكلية الإمبراطورية الإعلامية.
كما يسجل المؤلف مجموعة من ‘النكسات’ العائلية ضمن بحثه في مستقبل هذه الإمبراطورية الإعلامية العائلية، حيث يؤكد استمراريتها رغم كل ما حدث من تصدعات فيها بسبب الطلاق من أنا أو بسبب ترك أحد أبنائه المؤسسة، أو سبب انفصال بعض كبار معاونيه عنه وتأسيسهم شركات منافسة وما إلى ذلك.

تحديات أمام مردوخ

في الوقت نفسه، يرى المؤلف صعوبات تعيق استمرار إمبراطورية مردوخ الإعلامية كمؤسسة عائلية ناتجة من انتقالها من يد جيل إلى يد جيل آخر من العائلة نفسها. كما يرى المؤلف صعوبة أخرى تعيق استمرار هذه الإمبراطورية كما هي، لأن مؤسسها روبرت مردوخ من أبناء مرحلة الحرب الباردة ومعارضة التغير الاجتماعي الذي شهدته بريطانيا في ستينيات القرن الماضي.
مع ذلك، يرى المؤلف أن روبرت مردوخ لن يترك قيادة الإمبراطورية الإعلامية لأي من أبنائه وسيظل يمارس الدور القيادي فيها، بهدف الاستمرار في التأثير في السياسة العالمية.
الكتاب، رغم نظرته النقدية لإمبراطورية مردوخ الإعلامية ليس فقط بسبب بعض ممارساتها والابتعاد عما يفترض من حياد إعلامي تجاه مختلف القضايا الأساسية وإنما أيضا بسبب كونها مؤسسة عائلية بامتياز، يبقى عرضا نقديا للممارسات وليس للجوهر.
فالمؤلف لا يتعامل مع مصطلحات أساسية تعد جزءا لا يتجزأ من البحث في بنية المؤسسات الحاكمة في "العالم الحر" ودورها المتشابك في حماية النظام من أي اختراقات والمحافظة على الوضع القائم، ضمن أطر ومعايير محددة.
إضافة إلى ما سبق، تبقى مسألة التأثير الإعلامي في الجماهير إشكالية، حيث إن مفعولها يختفي في غياب حاضنة اجتماعية فكرية. من يقرر السياسات في الغرب أو في العالم الحر؟ مختلف المؤسسات من صناعات ثقيلة ومصارف وما إلى ذلك، وهنا نتذكر تحذير الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور في خمسينيات القرن الماضي من تأثير المجمع الصناعي العسكري في صياغة السياسة الأميركية الداخلية والخارجية. في غياب البيئة الحاضنة، الجماهير لن تصدق أي خبر إن لم يرق لها حتى لو أرفق ببراهين دامغة، وهي تصدق أكاذيب تعجبها حتى لو كانت ساطعة كقرص الشمس.
الجماهير لا يهمها من يحكمها وإنما كيف تحكم، ولذا فإن تأثير إمبراطورية مردوخ الإعلامية المؤيدة للحزب الجمهوري لم تتمكن من منع باراك أوباما من الفوز في الانتخابات الرئاسية، وإعادة انتخابه، وهنا تتجلى محدودية تأثير الإعلام في المتلقي. الإعلامي الرديء هو من يشكو من سطوة الإعلام "الكاذب" وما إلى ذلك.
مع ذلك، يبقى الكتاب مهما من منظور كشفه عن تفاصيل الارتباط الخفي بين رأس المال والأحزاب والقوى السياسية والعلاقات الشخصية، بما يقوض، أو لنقل: يساهم في تقويض أكاذيب الإعلام الحر والاستقلال الإعلامي وحرية التعبير وما إلى ذلك من اللغو المعروف.

موقع الجزيرة نت

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى