سيد رجب… «جوكر» الدراما المصرية
استحقّ سيّد رجب شهادةً من مدرسة زكي رستم ومحمود المليجي. جمعه بهما الحضور اللافت والملامح المصرية، فكان رجب عن جدارة «باشا» الألفية الثالثة. ممثل مخضرم امتلك أدوات الإبداع ومفرداته.عتّق موهبته في فضاء المسرح وكان ابنه البار. أخلص له مدة فاقت العشرين عاماً، قدم خلالها العديد من الأعمال ومثّل مصر في مهرجانات مسرحيَّة عالميَّة، نال خلالها جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي مرتين، أولاهما العام 1993، عن عرض «غزير الليل» إخراج حسن الجريتلي، والثانية العام 2007 عن عرض «تبًّا داروِن» إخراج أحمد العطار.
غيرَ أنّ تقهقرَ المسرحِ والركودَ الذي أصابه، إلى جانب قلّة الإنتاج المسرحي للفرق الخاصة دفعت سيد رجب للبحث عن منافذَ أخرى يواصل من خلالها مهنته، فشُرعت له أبواب السينما والدراما منذ العام 2004 ليثِبَ بخطواتٍ حفرت اسمه بخيطٍ من ذهب، ففاض خلال عقدٍ ونيّف بما يزيد عن 15 فيلماً و15 عملاً درامياً.
يقول سعد الله ونوس: «سيظلّ المسرح ذلك المكان النموذجي الذي يتأمّل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي معاً». ربما لهذا السبب لم يتخلّ سيد رجب عن المسرح ولا يزال يقدم عروضاً مسرحية حتى اللّحظة، فهو معلمه الحقيقي وفضاؤه الذي يشبع على خشبته متعة الجمال كما يقول، مضيفاً «على خشبة المسرح أمثّل وأدرّب وأتدرّب، هو المكان الذي يعطيني الطاقة للاستمرار ومتابعة عملي في الفن».
يختار سيد رجب أدواره بتأنٍ وتؤدة، حريصاً على الابتعاد عن النمطية وباحثاً عما هو جديد. هذا العام، هو فتحي العسال في مسلسل «حارة اليهود» إخراج محمد العدل، والمعلم سالم في مسلسل «بين السرايات» إخراج سامح عبد العزيز. يؤكّد أن مسلسل «حارة اليهود» أثاره بداية من سيناريو مدحت العدل، مشيراً إلى أنّه «كاتب حريص على الحقائق والتواريخ، ما جعل العمل أكثر قوّة وثقة». ويضيف أن الفترة الزمنية التي يتناولها المسلسل بين عامي 1948 و1954، فترة مؤثرة وحافلة بالمتغيرات سواء على المستوى السياسي أو الواقع الاجتماعي، أو الثورات والحروب، ولم تُطرَح طرحاً حقيقياً سواء في الدراما أو السينما.
فتحي العسال «فتوّة» حارة اليهود الذي يفرض نفسه بالبلطجة والعنجهية، شخصية محورية في العمل لها بنيتها الدرامية الخاصة كما لها جوانب إنسانيّة عدّة. تراها تنكسر تارة وتقوى تارة أخرى، شخصية عجيبة ومتناقضة أثارت سيد رجب، خصوصاً أنّه نحيل القامة، حسب قوله، الأمر الذي جعل أداء الشخصية مثيراً بالنسبة له.
«حارة اليهود فرصةٌ لفهم الإنسانية ومحاسبة الآخر وفقاً لإنسانيته بعيداً عن أي تصنيف ديني»، يقول، مؤكِّداً أنّ الجدل الذي دار حول العمل غير مبرّر وغير منطقي، واصفاً إيّاه بالسذاجة السياسية. «موقف فريق العمل واضح تجاه القضية الفلسطينية وتجاه الكيان الصهيوني، وواضح أيضا تجاه اليهود كبشر، خصوصاً أن المسلسل يحكي عن التعايش الذي كان قائما في ذلك المكان وقتها».
وما جذب سيد رجب للمشاركة في مسلسل «بين السرايات» تناوله لقضية هامة ومحورية في مصر وهي قضيّة التعليم، من خلال حيّ بين السرايات الملاصق لجامعة القاهرة، والعلاقة القوية بين الجامعة وطلابها من جهة، والحي من جهة أخرى، من تصوير مذكرات وطباعة ومركز للتعليم. يؤدي رجب شخصية المعلم سالم، وهو رجل يجمع كل تناقضات المصريين، فهو الجدع في لحظة وفي أخرى يكون عكس ذلك، مع لمحة كوميدية قائمة على الموقف والشخص، بحسب ما يقول. يشير إلى أنّه يعمل مع المخرج سامح عبد العزيز باطمئنان لإمكانات الأخير العالية وقدرته على السيطرة والتعاون مع الممثل لإخراج أفضل ما عنده من أداء.
برعَ رجب في تجسيد الشخصيّات المركَّبة والمعقَّدة التي تجمع الشر مع جوانب إنسانية أخرى تجعل الشخصية تفيض بالتساؤلات والمفاجآت، فترى المشاهد بانتظار دائم لما تقدمه، يقول «أحرص على تقديم الإنسان بكلّ أبعاده وتناقضاته الخيّرة والشريرة، الشخوص المركّبة أكثر ما يثيرني فضلاً عن جذبها المشاهد، فحمادة غزلان كان قوّاداً متغطرساً في «موجة جارة» العام 2013، كما كان الأب الذي يخاف على أولاده والزوج الذي يغار على زوجته والابن المحبّ لأمه».
هو حريص على أداء كل أنواع التمثيل، وما يساعد على ذلك ملامحه المصرية بشدة، يعزِّزها حضورٌ طاغٍ مثقلٌ بتاريخ من الإنجاز على عدّة مستويات فنية، فهو مختار العو الشرير المطلق في فيلم «عبده موته» (2012) إخراج إسماعيل فاروق، والوالد الطيب في فيلم «الشوق» (2011) إخراج خالد حجر، وهو أيضاً جابر أمير الجماعة المتطرفة في مسلسل «عد تنازلي» (2014) إخراج حسين المنياوي.
يدخل سيد رجب عوالم شخوصه ويعيش حيواتِها بكلّ تفاصيلها وخفاياها، يحبّ الشخصيّة، يفكّر بطريقتها ويعيشها إلى الحد الأقصى مع السكريبت والأفكار والحركة، في سبيل أن تظهر بالشكل اللازم، ليجني بعد حين تفوّقاً جديداً يؤكّد أنّه معين الطاقة والتجديد الذي لا ينضب.
يؤكِّد رجب أن سعادته تكمن في متعة التمثيل إلى جانب ردة فعل الجمهور، مشيراً إلى أنه يأخذ بعين الاعتبار آراء النقاد شرط أن تكون بنّاءَة وتقف عند إيجابيات العمل وسلبياته بهدف تجاوز الثغرات وتطوير العمل، بعيداً عن إطلاق الأحكام العاطفية المتخذة على عجل.
فيلم «شوق» تجربة الكتابة الوحيدة لسيد رجب ــ شارك في تمثيله أيضاً ــ كانت قصّة قصيرة كتبها وترجمت إلى الإنكليزية، وبعد حين حوّلها إلى سيناريو فيلم أخرجه خالد حجر. يحكي الفيلم قصّة أسرة تعاني الفقر والمرض، ما يدفع الأم للتسوّل بحثاً عمّا يسدّ رمقَ أبنائها ويساعد في علاج ابنها المريض. حقّق الفيلم صدىً جيداً لدى الجمهور والنقّاد فاستحقّ جائزة الهرم الذهبي في «مهرجان القاهرة السينمائي» العام 2010. يؤكّد سيد رجب أنّها لن تكون تجربته الوحيدة في الكتابة.
خلال عيد الفطر المقبل ستعرض شاشات السينما المصرية فيلمين للفنان سيد رجب، «أولاد رزق» تأليف صلاح الجهيني وإخراج طارق العريان، وفيلم «الليلة الكبيرة» تأليف أحمد عبدالله وإخراج سامح عبد العزيز.
يقول سيد رجب «كل شخصية تفيض بالدراما والمشاعر والوجوه الإنسانية المختلفة هي مشروع يثيرني كي أجسدها». كيف لا وهو الذي أثبت غناه وقدرته على خلق النسيج العاطفي لشخصيات تركت بصمة لن تبرح ذاكرة الفن والجمهور.
صحيفة السفير اللبنانية