سيرة الحكم في لبنان في سيرة صائب سلام [1]
لم يكن صائب سلام رجلاً سياسيّاً عاديّاً في تاريخ لبنان. كان، بكل المعايير، استثنائيّاً وفرض حضوره على عهود متعاقبة وبعضها ناصبه العداء بقوّة (مثل العهد الشهابي والشمعوني). كان شاغل السياسة في لبنان وعرف لعبة الإعلام والشارع وتفوّق فيها. يحسن الخطابة تحت قبّة البرلمان كما يحسن الخطابة أمام حشود بيروتيّة. أذكر أن والدي كان يُعلمنا مسبقاً بموعد ردود سلام على المعارضين أثناء مناقشة البيان الوزاري لـ«حكومة الشباب» في 1970. كان من القلّة التي أحسنت الارتجال وبكلام فريد ومنمّق (فيما اتسمت خطب رشيد كرامي بالحشو وما اصطلحَ على تسميته بـ«الأسطوانة»).
وتفوّق صائب على كلّ خصومه من السياسيّين السنّة ليس فقط لأنه أتقن أصول السياسة الماكييفليّة بل لأنه أتقن فن إنشاء تحالفات وتجمّعات (بعضها عابرة للطوائف) كما عرف كيف يتكيّف بين العهود. هو كان خصماً لعدد كبير (جداً) من السياسيّين وهذا يظهر في السيرة التي بين أيدينا. لكن تشوب اليوميات شحنات هائلة من الغرور والإعجاب بالذات، مما يضفي نفحة من التقديس والترويج الذاتي ولو على حساب الحقيقة. هل نصدّق أن صائب سلام كان مع عبد الناصر وسوكارنو من مؤسّسي الحياد الإيجابي (فقط لأنه حضر المؤتمر)، أو أن جمال عبد الناصر أُلهمَ في تأميم قناة السويس بمواقف صائب سلام؟ ارتبط اسمه بالسعي وراء الكرسي فيما كان يقسم أغلظ الإيمان أنه متعفّف.
لنتفق أوّلاً أن الكتاب الضخم (في ثلاثة أجزاء ويصل إلى أكثر من 1600 صفحة) ليس مذكرات بالمعنى المتعارف عليه. هذه يوميّات كتبها صائب سلام بنفسه عبر السنوات، وهناك فجوات مقصودة وغير مقصودة فيها. هو يعترف أنه تمنّع عن الكتابة عندما مرَّ في أزمات نفسيّة صعبة، كما أنه تقصّد (على الأرجح) تجاهل أحداث مهمّة. هو غطّى حقبة الستينيّات بتفاصيلها لكنه تجاهل كليّاً مرحلة سقوط بنك «إنترا» مع أنه كان له ضلع في الحرب على يوسف بيدس. شكري نصرالله (الذي عمل في «الحوادث» ثم في «المستقبل» ثم في «الشرق الأوسط») كتبَ في كتاب له («مذكرات قبل أوانها») عن مرحلة عمل فيها مع صائب في جنيف على إعداد مذكراته. صائب يذكر ذلك عرضاً لكن يبدو أن النتاج كان ضئيلاً جداً في اليوميّات التي بين أيدينا. مرّة واحدة يذكر أن شكري سأله عن «حكومة الشباب» وهو أجابه (في الجزء الثالث) لكنه كان تحدّث عن ذلك في الجزء الثاني وبشيء من التفصيل. لا ندري ما حلَّ بالتسجيلات التي أعدّها صائب مع شكري نصرالله. هذه اليوميّات مكتوبة بقلم صائب سلام وفيها من بلاغته وفصاحته ومتانة تعبيراته. أتقن سلام اللغة العربيّة إلى درجة أنه أصبح مرجعاً لعدد من السياسيّين (كميل شمعون كان مجيداً في اللغة العربيّة مع أنه كان—على عكس صائب—قليل الكلام وله صوت هامس في الخطابة). عندما فاز شارل حلو بالرئاسة في عام 1964 لم يكن يحسن الكلام والحديث والخطابة بالعربيّة الفصحى. قصدَ سلام وسأله عن أفضل طريقة لتعلّم العربيّة. أهداه سلام القرآن وديوان المتنبّي («العرف الطيّب في شرح ديوان أبي الطيّب» لليازجي) ونصحه بالمواظبة عليها. وكان الحلو تلميذاً مجتهداً وأصبح في فترة قصيرة نسبيّاً مجيداً باللغة العربيّة.
وتمكّنُ سلام من اللغة العربيّة ساعده في حياته السياسيّة ليس فقط في تصريحاته شبه اليوميّة ولا في خطبه في المجلس النيابي بل أيضاً في الارتجال تحت قبّة البرلمان، خصوصاً عند الردّ على الخصوم في مناقشات البيانات الوزارية. كما أن سلام اجترح مصطلحات وشعارات: هو صاحب شعار «لبنان واحد لا لبنانان» أو «التفهّم والتفاهم» أو «الثورة من فوق» أو «اليسار المخرّب واليمين الغبي» أو «أخشى على اللبنانيّين من الاختناق لكثرة العناق لو تركهم الأجنبي» (قال ذلك قبل حرب الجبل عندما رحلت منظمة التحرير وأمعن الشعب اللبناني في الجبل في القتل بالفؤوس، داحضين صوابيّة توقّع شعار سلام). وفيه قال الشاعر عمر الزعنّي «ما بيصائب إلا صائب» (وطلع خصوم سلام، كما ذكّرني داني خليل، بشعارات مشابهة منها: «ما بيوافي إلا اليافي» و«حط الكفة بالميزان ما بيطلع إلا الوزّان» «والدنا منا ولنا»—أطلقَ أنصار صائب شعاراً مهيناً ضد عثمان الدنا). وشخصيّة سلام كانت طريفة وتصلح في رسوم الكاريكاتور: كان يُلخّص بـ«القمباز» البيروتي والسيجار والقرنفلة التي كان يضعها في ياقته كل صباح.
علّق مصدر عائلي قائلاً لي عن مذكرات صائب: من المؤكد أن تمّام سلام لم يقرأ اليوميّات قبل صدورها. لو أنه قرأها ما كان يمكن أن يسمح بنشرها كما هي، من دون روتوش أو تحرير أو تصحيح. (هناك أخطاء فيها مثلاً: يورد يوم وفاة محمد سلام، شقيقه، في 1 آذار (ص.297، ج 1) فيما هو توفّي في 28 شباط، 1958. ويورد سنة محاولة اغتيال عبد الناصر من قبل الإخوان في 1955 (ص.266، ج 1)، إلخ). من المؤكد أن سلام لم يكن يقصد نشر اليوميّات كما هي لأنها ستغيّر من نظرتنا لسلام ولزعامته كما أنها ستفسد على تمام وذريّته سلاسة الخلافة السياسيّة. سلام لم يوفّر أحداً في اليوميّات: هو هجا كمال الحطيئة لكن الحطيئة، الذي هجا أباه، هجا نفسه فيما صائب أطنب في مديح نفسه ولم يوفّر أفراداً في عائلته. هو بالكاد يذكر أشقاءه وشقيقاته (لكنه أحبّ حديقة أحد أقربائه في بيروت من دون أن يعرّفنا تمام المعرفة عن القريب). وحدهما تمّام وتميمة (زوجة صائب) نالا قسطاً كبيراً من العطف والحب والثناء. حتى جميل كبّي، هذا الذي كان ثابتاً في إخلاصه وولائه ووفائه لسلام عبر العقود، نال «لطشة» حول طموحه الاستيزاري. كل السياسيّين نالهم قسط من الهجاء، على طريقة الحطيئة. سيتفاجأ كثيرون—كما فوجئت—بكمّ النقد الذي ناله آل سعود في المجلّدات الثلاثة. أمّا عبد الناصر، فصائب كنَّ له الكثير من الحب والودّ والإعجاب وإن كان شديد الانتقاد لسفير مصر في لبنان، عبد الحميد غالب. والجميل في قراءة اليوميّات أن صائب يغيّر رأيه في الناس: الديبلوماسي السعودي (وزير في ما بعد)، علي الشاعر، نال الكثير من الثناء في أوّل جزئيْن لكنه نال التقريع في الجزء الثالث. آراء سلام في السعوديّة صادمة، كما في عدد من الحكّام. واضح أنه لم يكن يكنّ الودّ للملك حسين أو للملك سعود، لا بل هو اتهمهما—ومن دون دليل أو إثبات تاريخي—بـ«استهدافه» بالقتل. لكن نحن كقراء وكمواطنين، محظوظون بأن تمّام نشر لنا هذه اليوميّات.
اليوميّات صريحة جداً بالنسبة للحياة السياسيّة اللبنانيّة، قبل الحرب وبعدها، لأن سلام عاصر عقوداً متعاقبة وشارك في صنع حقبات سياسيّة مختلفة. قراءة اليوميّة ممتعة لمن هو مهتم بالسياسة اللبنانيّة. أقول إن هذه من أهم «المذكرات» السياسيّة التي نشرها سياسي لبناني قطُّ. صائب كان جد صريحاً في التعبير عن مكنوناته وهو ينقل لنا حوارات سياسيّة تبدو ذا مصداقيّة للقارئ لمن يعرف (عن) شخصيّات تلك المرحلة. نعلم أن صائب سلام الخاص كان غير العام، وعاطفته السياسيّة الخاصّة هي غير تلك التي كان يعبّر عنها في تصريحاته. لم أكن أتوقّع أن أقرأ عن آراء سلام في النظام السعودي وفي أمراء آل سعود: هو لم يتورّع عن نقل آراء الأمير سلطان (وكان قريباً منه) عن أخيه، غير الشقيق، عبدالله بن عبد العزيز. لكن قراءة الأجزاء الثلاثة تكشف أن هناك تناقضات وقع فيها صائب في أكثر من مكان:
■) هو يشكو في كل مراحل حياته من ضيق الحال الاقتصادية، بالنسبة لـ«المقاصد» وبالنسبة لعائلته. يقول باستمرار (أو «ينقّ» لو استعملنا التعبير البيروتي عن الشكوى المستمرّة) إنه اضطرّ لبيع أملاك عقاريّة لمدّ العائلة بمدخول كانت تحتاجه. لكنه يذكر عرضاً أنه بعد أن ابتاع منزلاً في جنيف ابتاع منزلاً آخر في باريس (مع حمّام سباحة ذي مياه دافئة وملعب رياضي).
■) هو ينقل دائماً عن أحاديثه مع زعماء عرب ولبنانيّين (بمن فيهم عبد الناصر) أنه كان يحذّرهم من الغرور، قاتل الرجال على قوله. لكن اليوميّات لا تفتقر إلى فائض من الغرور. لا يلقي خطاباً إلا ويقول إنه نال استحساناً وإعجاباً محليّاً وإقليميّاً وحتى عالميّاً.
■) يغيّر آراءه في الناس كثيراً: يثني على رفيق الحريري حيناً ويهجوه حيناً آخر. يثني على وليد جنبلاط حيناً ويصفه بالمخمور حيناً آخر. يفرِّق بين بيار الجميل وكميل شمعون مُفضِّلاً الأوّل على الثاني لكن في الجزء الثالث يعتبر الجميّل مصيبة لبنانية، إلخ.
■) يصف نفسه بالناصري القومي العربي من دون أن يشرح للقارئ كيف وفَّقَ بين ولائه لآل سعود وإعجابه بعبد الناصر، وإن كان صائب (في خصوصيّة مذكراته) يظهر كقومي عربي ناصري أكثر بكثير مما يظهر كموال لآل سعود.
■) هو ينوِّه بأنه أوّل من اختار سليمان فرنجيّة كمرشّح رئاسي ثم يعترف أنه كان شخصاً جاهلاً وفاسداً وغير صالح للحكم.
■) هو يحمل أحقاداً كثيرة ضد أشخاص كثيرين (بمن فيهم أفراد في عائلته) لكنه يختم التعبير عن الأحقاد والضغائن بالإصرار إنه لا يحقد ضد الناس. أخذ معه أحقاده وضغائنه إلى القبر (نال مؤسّس «طيران الشرق الأوسط»، الطيّار فوزي الحص، الكثير من التشنيع).
■) أثنى على آل سعود وعلى دعمهم لـ«المقاصد» في حياته في تصريحات ومقابلات عدة، لكنه في يوميّاته اعترف أن المساعدات كانت «ضئيلة» وأن الحكم السعودي قتّر في الدعم وأنه تعرّض لابتزاز منهم.
■) يتحدّث عن العائلة وعن الروابط العائليّة لكنه لم يوفّر أفراداً في العائلة من هجائه وأحقاده. شقيقه مالك سلام ينال قسطاً كبيراً من النقد والتعيير، كما زوج شقيقته، رشيد كرامي.
اليوميّات هذه ستكون مرجعاً أساسيّاً من مراجع السياسة اللبنانيّة والحرب الأهليّة بصورة خاصّة. عاش صائب سلام نحو قرن من الزمن، وكان متابعاً دقيقاً مُعايشاً لكل مراحل العهود اللبنانيّة التي رافقها، إمّا موالياً (وهذا ندر) أو معارضاً—وهو أجادَ في أدوار المعارضة (كان زعيم الموالاة في عهد فرنجيّة حتى 1973 ثم أصبح قائد المعارضة ضدّه). الصراحة المطلقة (في التعبير عن آرائه) تميّز هذه المذكرات عن غيرها من مذكرات سياسيّين لبنانيّين، وفيها خبايا السياسات اللبنانيّة: مذكرات بشارة الخوري كانت ذات نفحة أدبيّة (لكن ليس للدرجة التي قرّظ لها مارون عبّود) لكنها لم تحتوِ الكثير من المعلومات السياسيّة. لكن لأن الكتب الثلاثة هي يوميات وليست مذكرات، فإنه يذكرُ أشخاصاً من دون أن يعرّفنا عليهم. يرد اسم وليد الخالدي كثيراً (يجهل كثيرون أن الخالدي كان من أقرب مستشاري صائب سلام، وهو ابن أحمد سامح الخالدي—لكن من زوجته «الأولى»، وليس من عنبرة سلام زوجته الثانية، والتي أنجبت طريف وأسامة ورندا الخالدي) ويصفه مرّة بـ«مساعدي»، من دون أن يعرّف القارئ على شخصيّة هذا المثقّف الفلسطيني البارز ومؤسّس أوّل مركز أبحاث عربي («مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة»، التي تأسّست بتمويل من هاني سلام، وكان عبد المحسن قطّان المموِّل الثاني عند التأسيس). حتى أشقاؤه وشقيقاته يمرّون من دون تعريف، باستثناء عنبرة سلام لأنها معروفة. وحدها رشا سلام، شقيقته وزوجة وليد الخالدي، تحظى بعناية ومحبّة (قليلة) من صائب في اليوميّات. والفارق بين مذكرات عنبرة وبين يوميّات صائب كبير جداً. عنبرة تبدأ كتابها بتعريف القارئ على عائلتها وتعطي لمحة مفصّلة عن شخصيّات أشقائها وشقيقاتها ثم أولادها. صائب يبخل علينا بالوصف لشخصيّات ترد في الكتاب وبعضها كان قريباً جداً منه (يرد مثلاً اسم سكرتيره علي المملوك لكنه لا يصفه أو يصف دوره).
صائب سلام فاز على أخصامه في الزعامة البيروتيّة. خصومه لم يصلوا إلى ما وصلَ إليه: كان يأتي بنوّاب من السنة والشيعة والمسيحيّين على قائمته وكرّس نفسه مرجعاً من مراجع السياسة في لبنان والإقليم. كتلته ضمّت نائباً من صيدا في عام 1972. عبدالله اليافي في مواجهة سلام كان مثل الحصّ في مواجهة رفيق الحريري: مبدئيّة ونزاهة لكن من دون القدرة على الزعامة الشعبيّة ونقص في الكاريزما (يسخر سلام من صفة النزاهة التي لاحقت عبدالله اليافي في حياته السياسية). عثمان الدنا كان ينتقد سلام ثم يصالحه (ينقل كلاماً مهيناً للدنا كما ينقل إهاناته للدنا، خصوصاً في مرحلة التحضير لتنصيب بشير الجميّل رئيساً من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي). رفيق الحريري هادنه في بداية عهده ثم أمعن في إذلاله والقضاء على زعامة عائلته (لولا حاجة النظام السعودي لتجنيد خصوم جدد لحزب الله لما كان تمّام سلام قد عاد إلى المجلس النيابي وإلى مجلس الوزراء. أنا أذكر بعد اغتيال الحريري أن تمّام سلام صافحني في مطعم في وسط بيروت وهنأني على مواقفي في نقد الحريريّة، ولم أكن أعرفه من قبل). وقلّة من الزعماء السنّة كتبوا مذكراتهم: رشيد كرامي ورشيد الصلح ورياض الصلح وعبدالله اليافي وتقي الدين الصلح وحسين العويني لم يتركوا مذكرات وراءهم. وحده سامي الصلح كتب مذكراته بينهم، ورشيد الصلح كان رئيساً للحكومة يوم اندلاع الحرب الأهليّة وهناك الكثير مما كان يمكن له أن يقوله (وهو قاله بإيجاز ووضوح وصلابة شديدة يوم ألقى بيانه الشهير في اتهام حزب الكتائب بإشعال الحرب الأهليّة في عام 1975). تمام سلام لم يكتب سيرته لكن مستشاره الصحافي، الراحل عبد الستار اللاز، كتب عن تجربته في الحكم. سليم الحصّ كتب مذكرات عن تجاربه في الحكم لكنه كان متحفّظاً وأسلوب سلام مشوق وأخاذ أكثر من أسلوب الحص وهو راوية موهوب. والحص لم يفصح كثيراً في مذكراته بعكس يوميات صائب الصريحة—صائب صريح وغير متحفّظ في الحديث عن الآخرين وفي نقدهم، لكنه مُحجم في نقد أو مراجعة الذات.
هناك ما هو جميل في اليوميّات: قدرة سلام على وصف الأحداث بطريقة تجعلك تسافر عبر الزمن. كما أن حبّه لزوجته تميمة يتكرّر في صفحات الكتاب ويثني عليها ويقدّرها بجميل الكلام. تتأكد من الكتاب أن صائب كان مخلصاً ومحبّاً ومقدّراً لزوجته وأنها كانت تمدّه بالنصح في الأمور الشخصيّة العائليّة وفي الأمور السياسيّة، وكان يستمع إليها. (في كتاب شكري نصرالله يظهر كم كان سلام يأخذ بإرشاداتها حول الحفاظ على صحته وتجنّب تدخين السيجار والأطباق الدسمة). وسلام تحدّث بشيء من الصراحة وقليل من الإباحيّة عن غراميّاته (حتى أنه أورد حادث تقبيل حرّك فيه العاطفة «الجنسيّة» (ص. 47, ج1) للمرّة الأولى—وقد يكون أوّل سياسي لبناني يورد كلمة «جنس» في مذكراته) قبل الزواج لكن ما كان يجب على الفتى أن يذكر اسم محبوبته: هو يذكرها بالاسم ويذكر عائلتها مما يرسم شكوكاً عن نوايا سلام في نشر الكتاب كما هو. طبعاً، لا أعترض على نشر الكتاب كما هو لأن ذلك زاد من متعة القراءة في الأجزاء الثلاثة. كنت أظنّ أن الجزء الثالث سيكون مملاً لأن صائب كان متقاعداً عن العمل السياسي في تلك السنوات لكن أسلوب صائب الأخاذ يشدّك حتى في وصف أحاديثه مع زوّاره في منزله السويسري.
لكن هذه المقدّمة لا تكفي للحديث عن الكتاب الذي يتناول شخصيّات وأحداثاً كثيرة مرّت على لبنان والعالم العربي، وقد تناولها سلام بالكثير من الظلم وعدم الدقّة وخدمة السيرة ولو على حساب الحقيقة والتاريخ. لكن ذلك يتطلّب تناولاً تفصيليّاً يلي.
(يتبع)