سيناريوات تصفية القضية الفلسطينية
على وقع محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لاستكشاف آفاق المسار السياسي الفلسطيني، عبر إرسال مبعوثه جيسون غرينبلات، إلى المنطقة، تواجه السلطة الفلسطينية مروحة سيناريوات، لا تنبع قيودها فقط من الواقع الموضوعي الذي أسهم في بلورته ــ من ضمن عوامل أخرى ــ الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل… بل هي أيضاً نتيجة خيار اللابديل من التسوية إلا التسوية ذاتها التي قيَّدت السلطة نفسها بها، وحرمت القضية الفلسطينية أهم أوراق القوة التي تستند إلى ما يختزنه الشعب الفلسطيني من قدرة صمود وتضحية وإبداع يمكن تثميرها في خدمة متطلبات المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية.
وبالنتيجة، تحاول الأطراف الأميركية والإسرائيلية و«العربية» حشر القضية الفلسطينية بين سيناريوات تهدف جميعها إلى تصفيتها، أو على الأقل تهميشها كجزء من مخطط أوسع يستهدف فلسطين والمنطقة.
أول المسارات المفترضة، هو فرضية نجاح إدارة ترامب في تحريك مسار التسوية، إما عبر مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، وعادةً ما يقترن ذلك بالحديث عن خطوات تهدف إلى تعزيز الثقة بين الطرفين… وبما أنَّ فرص التوصل إلى اتفاق نهائي تتضمن إقامة دولة فلسطينية ضمن السقف السياسي للسلطة، المعلن أو الضمني، فهي مستبعدة. ترتفع في ضوء ذلك، إمكانية الحديث عن سيناريو حلول مرحلية، مع تأجيل لحل الدولتين. ويستند الرهان الإسرائيلي الأميركي في دفع هذا المسار وغيره من المسارات البديلة، إلى اليأس المفترض الذي بلغه أنصار التسوية في الوسط الفلسطيني، لكونهم باتوا يشعرون بأنهم أمام خيارين: أما استمرار الوضع الراهن، أو القبول بصيغة مرحلية جديدة تعزز مكانة السلطة وتُرحِّل مشروع الدولة الفلسطينية إلى مراحل لاحقة. وفي السياق نفسه، يأتي فوز ترامب ليعزز هذا المسار الانحداري للسلطة.
مع ذلك، إنّ أي خيار من هذا النوع قد تتبناه السلطة، لن يكون في حقيقة الأمر سوى تكريس واقع السلطة القائم، (مع قدر من التعزيز الهامشي)، مع إضفاء شرعية فلسطينية سلطوية على نهاية مشروع الدولتين، والنتيجة ستكون شرعنة الاحتلال والتوسع الاستيطاني والضم.
المسار الثاني المطروح هو إطلاق عملية سياسية إقليمية واسعة، تشارك فيها إسرائيل ودول عربية. وهو ما كان محور اللقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومبعوث الرئيس ترامب، وفقاً لما نقلته وسائل الإعلام الاسرائيلية. ويبرر نتنياهو هذا الطرح عبر الترويج لمقولة إنه يشكل «مدخلاً لتحريك عملية التسوية»، فيما الهدف الفعلي منه الالتفاف على المسار الفلسطيني، والحصول على «بضاعة» التطبيع مع دول الاعتدال العربي ــ الخليجي، التي كان يفترض أنها مقابل تنازلات على المسار الفلسطيني، من دون أن يضطر إلى دفع هذا الثمن. لكن البضاعة الأهم التي يراهن نتنياهو على الحصول عليها، من خلال هذا المسار، هي توفير شرعية عربية لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية، عبر الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول بما يقبل به العرب من تنازلات. ويبدو بحسب المواقف المعلنة أنَّ هذا السيناريو هو المفضَّل لدى إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية.
إلى ذلك، يبقى مسار فرض حل أحادي الجانب، من ضمن السيناريوات النظرية القائمة، وهو خيار له أنصاره في الساحة الإسرائيلية ومن داخل حكومة نتنياهو، خصوصاً من قبل «البيت اليهودي» الذي يدعو إلى ضم مناطق «ج» في الضفة الغربية. ومن الناحية العملية، يحكم هذا العنوان أداء حكومة نتنياهو على صعيد التوسع الاستيطاني، وإقرار قانون «التسوية» في الكنيست، الذي شرعن نهب أراضٍ فلسطينية ومصادرتها.
أما في حال فشل المسارات السابقة أو محاولات الدفع بها، فإن أسهم بقاء الوضع على حاله ترتفع. وبرغم أن هذا السيناريو ليس خياراً للسلطة، لكنه يبقى احتمالاً قائماً كنتيجة لتعذر شروط توافر تحريك مسار التسوية، أو على الأقل تحقيق نتائج فعلية لأي محاولة جدية، وهو الواقع القائم منذ أكثر من عقدين.
أما بالنسبة إلى الإسرائيلي، فبالإمكان القول إنَّ استمرار الوضع القائم مطلب ضمني إسرائيلي، أو على الأقل من ضمن الخيارات المطلوبة. وفي كل الأحوال، ستبقى الاتهامات موجهة إلى الطرف الفلسطيني، وممارسة الضغط عليه لعدم اتخاذ خطوات سياسية تحرج القيادة السياسية في الداخل والخارج الدولي. وتوحي السياسات التي اتبعتها السلطة في خلال السنوات الماضية، كما لو أنها باتت تتكيف مع استمرار الوضع القائم، على أنه أهون الشرور بالقياس إلى الخيارات البديلة الأكثر سوءاً بنظرها. وهو بالضبط ما تريد إسرائيل ترسيخه في وجدان الرأي العام الفلسطيني.
في كل الأحوال، تتسم المرحلة الحالية بأكثر من عنوان. فمن جهة، تحاول إدارة ترامب استكشاف آفاق تحريك عملية التسوية عبر عقد قمة إقليمية، ومن جهة أخرى، تتواصل مساعي التوصل إلى تفاهمات أميركية إسرائيلية، أكملها نتنياهو بالأمس خلال لقائه مع مبعوث ترامب، حيث بحثا آليات تنسيق البناء في المستوطنات. وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية «يمكن الطرفين، الأميركي والإسرائيلي، التوصل إلى تفاهمات مع حكومة نتنياهو، على غرار تفاهمات شارون ــ بوش، والسماح بالبناء داخل المستوطنات بيد أن نتنياهو يتطلع إلى البناء في مناطق نفوذ المستوطنات، ما يعني السماح لإسرائيل بتوسيع المستوطنات على 10% من مساحة الضفة الغربية».
صحيفة الأخبار اللبنانية