شاحنات ومبانِ قيد الإنشاء تؤوي نازحي الحرب

منذ أن دمرّت الحرب منزل أبو زياد ودفعته للفرار من قريته جنوب دمشق، تحوّلت الشاحنة الصغيرة التي يملكها إلى مسكنه ومصدر رزقه.

يقول أبو زياد (62 عاماً)، بينما يتّكئ على سيارته ويعرض أمامه أنواعاً عدّة من السجائر للبيع في ساحة المرجة في وسط دمشق، «سيارتي هذه كزوجتي، أحدّثها نهاراً وألجأ إليها ليلاً، لكنّها باتت اليوم عجوزاً لا تقوى على الحركة»، ويضيف «أملك هذه السيارة منذ العام 1978، كبرنا سوياً وهرمنا معاً».

أبو زياد أبٌ لتسعة أولاد بعضهم متزوج، خسر منزله في بلدة سبينة جنوب دمشق مطلع العام 2012، ما دفعه وأسرته إلى الانتقال إلى دمشق، قبل أن تتوفى زوجته لاحقاً، ويُقتل أحد أبنائه جرّاء إصابته بقذيفة «هاون ». يتابع الرجل «لا أستطيع العودة إلى منزلي لأنّه أمسى ضمن منطقة عمليّات عسكرية، ولا أستطيع استئجار بيت جديد بسبب ارتفاع بدل الإيجار، ولا أقدر حتى على تأمين أجرة المواصلات للذهاب إلى أولادي والنوم عندهم».

يتوزّع أولاده بين بلدتَي جرمانا والكسوة في ضواحي دمشق، حيث يقطنون في منازل ضيقة بالكاد تتّسع لهم ولأولادهم. ويقول: «حين يكون العمل جيداً ويتوفّر لديّ مبلغ إضافي من المال، أستأجر غرفة داخل فندق بسيط، بالمشاركة مع ثلاثة أشخاص آخرين كي أرتاح قليلاً، أو أزور أولادي وأقاربي».

ويعمل أبو زياد منذ ثلاثين عاماً على شاحنته الـ «بيك آب» من طراز «سوزوكي»، وكان يستخدمها في نقل البرادات داخل دمشق. ولكن بعدما كثرت الأعطال فيها، ولم يعد لديه المال الكافي لإصلاحها، قرّر ركنها في ساحة المرجة والمبيت فيها ليلاً.

في الأيام الباردة في الشتاء، يلجأ إلى حرق علب كرتون يجمعها في صندوق شاحنته الخلفي للتدفئة. أمّا في الصيف، فينتقل مع شاحنته الصغيرة إلى جوار جدار أو مبنى يقيه حرّ الشمس.

وصباح كلّ يوم، يعرض أبو زياد على صندوق خشبي مجموعة من علب السجائر المخصّصة للبيع، مصدر رزقه الوحيد.

على طرف آخر من العاصمة، تعيش مئات العائلات في منازل وأبنية قيد الإنشاء، تفتقد إلى الأبواب والنوافذ. ويتطلّب الوصول إليها سلوك طرق ترابيّة.

تقيم أم وليد (52 عاماً) مع أولادها الخمسة وعائلاتهم داخل أحد هذه المنازل في حيّ دف الصخر في جرمانا، بعد نزوحهم من بلدة الذيابية جنوب دمشق. تقول: «كان لكلّ ولد شقة كاملة، أمّا اليوم فنسكن جميعنا في شقة واحدة لنؤمّن بدل الإيجار الشهري». تتذمر السيدة من حال المسكن: «يدخل البرد مع الحشرات والقوارض، لا مياه ولا كهرباء ولا تدفئة (…) ليس لدينا إلّا سقف وجدران غير مطلية، ومع ذلك كله الإيجار عبء ثقيل»، لكنها تحلم بالعودة إلى منزلها يوماً ما، «لن أنام مرتاحة إلّا على وسادتي القديمة».

يقول الباحث الاقتصادي عمّار يوسف: «سُجّل حتى نهاية العام 2015 ما يزيد عن 2.3 مليون مسكن مدمّر في سوريا وغير قابل للاستثمار العقاري، وكانت هذه المنازل تؤوي حوالي سبعة ملايين شخص نزحوا إلى مناطق أخرى». ويضيف يوسف، الذي يُعدّ دراسة سنوية حول نسبة الدمار جرّاء الحرب، أنَّ «أكثر المناطق التي توجد فيها منازل متضرّرة هي ريف دمشق، إذ كانت تضمّ قرى مسحت عن الخريطة، تليها مدينة حمص التي سجّل فيها دمار أكثر من 800 ألف مبنى، بينها شقق ومدارس ودور عبادة حتى نهاية العام 2015». ويوضح أن «كلفة إعادة إعمار المساكن المتضررة والبنى التحتية حتى نهاية العام 2015، بلغت أكثر من 250 مليار دولار».

ويقدر حاجة سوريا إلى «ثلاثة ملايين مسكن بشكل عاجل» لمواجهة أزمة السكن، على ضوء «ارتفاع عدد الأشخاص الذين يقطنون داخل المسكن الواحد بمعدّل خمسة أشخاص قبل اندلاع الحرب، وصولاً إلى عشرين في الوقت الراهن». وبات «المعيار الأساسي لسعر العقار أو بدل استئجاره هو نسبة الأمان في المنطقة التي يوجد فيها».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى