شارع الحمرا …

وأنا أتمشى في شارع الحمرا في زيارتي الأخيرة إلى بيروت .. اعتراني الفضول ، و بت أتفرس في وجوه المارة علني أستكشف لغز الأسمر الذي شغل الشعبين الشقيقين لفترة .. وتداولته وسائل التواصل الاجتماعي كظاهرة تغزو شارع الحمرا بين مستنكر ومتهكم ولا مبال ..

فالسمر هم السوريون الذين باتوا ظاهرة لافتة لكثرة عددهم، وتواجدهم الكبير في هذه المنطقة من بيروت كونها مركزاً حيوياً حياتياً وتجارياً هاماً … فرأيت السمر بأشكال متنوعة ، بين متسولين أطفال ونساء وكهول يستجدون المعونة والمال ، يفترشون الرصيف مأوى ، والكراتين غطاء” .. والبعض خاصة من الأطفال يحملون أواني الزهر والعلكة والبسكويت كشكل من أشكال البيع الرخيص حفظا لما بقي لهم من كرامة ..

كما صادفت الكثير من الشباب والشابات المتموضين والمتموضات بآخر الصيحات من اللباس الهيبي إلى أفخم ماركات عروض الأزياء .. يجلسون في المقاهي والكافيهات، أو على أدراج بعض البنايات يتجاذبون الحديث ويتبادلون الضحكات .. ورأيت بعض العائلات السورية التي تستوقفها واجهات المحلات التجارية، أو تحاول انتقاء مطعم يلبي رغبتها بتناول نوع معين من الطعام ..

هم السوريون نعم لكن لم يكونوا بغالبيتهم سمرا .. فالكثير منهم لا تميزهم عن اللبنانيين الا من اللهجات السورية المتنوعة .. منهم الأشقر والحنطي والأسمر ..

منهم المتسول والتاجر ومن يبحث عن التسلية وعن مكان يجمعه بأناس يجمعه بهم هوية وحلم وطن دمرته الأحقاد والمؤامرات والمصالح الدولية والاستبداد .. فالسوريين في شارع الحمرا لا يجمعهم اللون الأسمر..إنما عندما تمعن النظر ترى أن ما يجمعهم نظرات الترقب والانتظار .. ترقب العودة أوانتظار فيزا الرحيل ..و ترتيبات اللجوء والسفر …

تجمعهم نظرات الخوف والضياع .. الخوف من الضياع في المجهول واللاستقرار ..

تجمعهم نظرات الشوق .. الشوق لوطن … الشوق لعائلة شردتها الحرب ..

شعرت بكل هذه النظرات تفضح السوري وتعريه .. كما أنا .. !!

كما شعرت أيضاً بالضغط النفسي والعبء الاجتماعي الذي يعاني منه الشعب اللبناني تجاه هذا الكم الكبير من السمر في لبنان، وما يترتب عليه من آثار سلبية تتراوح بين الضغط السكاني إلى التمايز الفكري والثقافي.. و ارتفاع نسبة الجريمة والسرقة والتسول ..والمزاحمة على العمالة … وحالة الفوضى والفلتان الأمني .. فأنا أحترم وأقدر خوف اللبنانيين ولا ألومهم .. وأشعر بمعاناتهم .. ولكني أعتب عليهم لأنهم ركزوا على الناحية السلبيةولم يروا الجانب الايجابي من أن الاقتصاد اللبناني يقف الى الآن بفضل حركة المال السوري بين السوريين واللبنانيين .. نسوا التاريخ المشترك والتبادل الثقافي والتجاري والتزاوج ووحدة الحال .. نسوا الفصل بين الحكومات والشعب .. إنها مشكلة حكومات .. فوضى ومصالح وتجارة بالناس وقضايا الشعوب .. فالحكومة دوماً تأكل الحصرم والشعب يضرس .. أعتب عليهم من باب المحبة والأخوة .. أفلا يكفي السوري أنه يهرب من الموت والخوف طالبا الأمان في بلدهم ليقع في آتون الذل والرفض والاهانة .. ؟؟!!

لن ألوم الا الحرب القذرة التي أذلت السوريين .. ودفعتهم إلى الهجرة واللجوء والرحيل … على أمل أن تتوقف هذه الحرب القبيحة التي تحرقنا بنارها وحقدها …. ويعود كل الى بلده وأهله وبيته .. ونعود معا .. سوا ربينا … !!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى