شاليط إنسان.. زياد أبو عين ماذا؟

ما زال الفلسطيني بحاجة إلى الاعتراف بأنه إنسان.

قتلت «إسرائيل» الوزير الفلسطيني زياد أبو عين، أمام أعين العالم، ولم يحدث شيء. قتل وزير شؤون الجدار ومقاومة الاستيطان ولم يجد الغرب الأنيق، الساهر على «حقوق الإنسان»، ما يقوله. آثر الصمت وتعمّد الإغفال وتنحى عن المشهد. في حسبانه: هذا قتيل من «الأغيار»، شيء من بقايا «الهنود الحمر»، ذوي البشرة السمراء.

جلعاد شاليط، من يتذكره؟ من لم يسمع عنه؟ هذا الجندي الإسرائيلي الذي أسرته «حماس»، ليس من جنس بشري ينتمي إليه زياد أبو عين.

جلعاد شاليط، حظي بتعاطف دولي سخي وحراك أممي فعال. سُيِّرت من أجله مواكب وتظاهرات وأرسلت وفود ومورست ضغوط وأقيمت الحجة الجرمية على آسريه حتى بدا جلعاد، عند التحدث عنه في حلقات تلفزيونية على الشاشات الغربية، إنه «الطفل الملاك».

الفلسطيني زياد أبو عين، ليس في مرتبة جلعاد شاليط. الأول، حظي بدمع وحزن و… تهديد بوقف «التنسيق الأمني» مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فيما كانت حصة جلعاد شاليط، شن حرب على قطاع غزة، أيّدها ودعمها وبررها، غرب غارق في تبعية، لبربرية إسرائيلية فريدة وبينة، بلا ندم أو خجل… شيء من العار هذا.

هل يعرف الغرب الرواية الدقيقة للقضية الفلسطينية؟ هل يمكن تفسير انحيازِهِ بجهله؟ وهل صحيح أنه يدفع ثمن ما ارتكبته أياديه الملطخة باللاسامية من مذابح شنيعة بحق اليهود، كان أفظعها «المحرقة» على أيدي النازيين، على مرأى ومسمع من الهيئات الدينية الكاثوليكية والقيادات السياسية الموغلة في العنصرية؟

بعض الشك في مسلمات مكررة يعتبر من حسن الفطن.

الغرب يعرف، قبل «المحرقة» وبعدها، حكاية نشوء فكرة الكيان الإسرائيلي وقيام دولتها، لأنه شريك فيها.

يعرف الغرب الرواية من بديتها:

ـ تحالف العرب مع بريطانيا وفرنسا ضد السلطنة العثمانية وألمانيا في الحرب العالمية الأولى. انتصر الحلفاء على العثمانيين، وخسر العرب في انتصارهم ما ناضلوا من أجله. خان الغربُ العربَ وهو في معسكر واحد. وذلك قبل قيام دولة إسرائيل.

ـ تبدّت الخيانة بتقسيم واقتسام المشرق العربي، في اتفاق سري، من أكثر الشناعات في أبعاده، (سايكس بيكو) وأعقبه وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور، بوعد مكتوب لوالتر روتشيلد، بأن يكون لليهود وطن في فلسطين.

ـ سهر البريطانيون على تنظيم اليهود في فرق عسكرية، ووفوا بوعدهم في نصرتهم على الفلسطينيين، برغم الحوادث الدامية في أعوام 1920 و1929 و1939. وكل ذلك، قبل بلوغ هتلر بوابة الحرب العالمية الثانية. صوت الغرب وشرق الغرب (السوفيات) معاً لقيام دولة «إسرائيل»، وقيام فلسطين. دعموا الأولى وبددوا الثانية. قامت إسرائيل ونفيت فلسطين.

ـ يعرف الغرب سلسلة المذابح والتفجيرات والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، التي رشحتها بريطانيا لتكون وريثتها في فلسطين. ويعرف أنه صوت في الأمم المتحدة على القرار 194 الداعي لعودة اللاجئين. تصويت بلا أثر.

ـ يعرف الغرب أن فلسطين كانت أرضاً بشعب وليست أرضاً بلا شعب، وأنه شاهد وعاين كيف حصل تهجير الفلسطينيين من ديارهم وكيف أفرغت قرى من سكانها وكيف اختفت أكثر من 500 قرية.

ـ يعرف الغرب ان انتفاضة 1936 ــ 1939 اقترنت بدعوة لإنشاء حكومة وطنية مسؤولة أمام برلمان منتخب من سكان فلسطين قبل الحرب، من مسلمين ومسيحيين ويهود. ديموقراطية الثوار آنذاك أرقى بكثير من همجية عصابات القتل الصهيونية ومناورات المندوب السامي البريطاني ومداولات الدول الكاسرة في «عصبة الأمم».

ـ يعرف الغرب كيف تمت هزيمة العرب في العام 1948 وكيف رشحوها لتكون العضو الثالث في العدوان على السويس في العام 1956. تلك الحرب التي كانت لتحطيم صورة العربي الجديد، المتحدي الصلب، الناهض من ركام التخلف والتبعية.

ـ يعرف الغرب سلسلة القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي بنسبة ساحقة لمصلحة «تسوية عادلة» للقضية الفلسطينية.

الغرب كان ضد الفلسطيني، لأنه فلسطيني، قبل أن يحمل السلاح. حمل سلاحه بعدما يئس من غرب يكذب ومن عَرَب عجزة. مارس الكفاح المسلّح الذي مارسته شعوب نالت استقلالها من دول مستعمِرة. تلك بلغت غايتها، فيما بقي الفلسطيني موزعاً بين احتلال استيطاني، ومخيمات لجوء مذلة، وطواف بالبنادق حيث يتوفر المدى للطلقات..

الغرب يعرف ذلك ويعرف أكثر ان إسرائيل هي الدولة الوحيدة اليوم في العالم، الخارجة على القوانين الدولية. هي آخر دولة استعمارية، بعد زوال الاستعمار. آخر دولة تمييز ديني وعنصري بعد زوال نظام «الأبارتهايد» في جنوب افريقيا، ومع ذلك، فهي المحظية والمحمية والمدعومة… اللائحة أطول من ذلك.

لم يحسّن الغرب صورته بعد. تعامل مع مقتل أبو عين وكأنه حدث عادي، أو أقل من عادي. كم كان صراخ الإعلام فاجراً عندما انحاز إلى شاليط. كم هو مهين للغرب ونخبه أن تكون حكاية بطل مسالم يزرع الزيتون امام الجدار العنصري، بهذه الركاكة.

لا عجب في ذلك، إذا عرفنا كيف تم التشهير بالفيلسوف الفرنسي إدغار موران، عندما كتب في جريدة «لوموند» مع سامي نيّر ودانيال سالناف مقالة اعتبر فيها ان شعور إسرائيل بكونها ضحية يبرر لها «الاستعمار والأبارتهايد… إن يهود إسرائيل هم ضحايا أبارتهايد سمي غيتو، ويطبقون هذا الغيتو على الفلسطينيين. اليهود الذين أُذلّوا واحتُقروا واضطُهدوا، يذلون ويحتقرون ويضطهدون الفلسطينيين. اليهود الذين كانوا ضحايا نظام لا يرحم، يفرضون على الفلسطينيين نظامهم الذي لا يرحم. اليهود الذين كانوا ضحايا اللاإنسانية. يظهرون لا إنسانية مريعة».

اتهم موران بالعرقية. والعرب متهمون بالدونية. سلوك الغرب مع العرب هو سلوك السيد مع من يفترضه خادماً له.

هذا كلام في أصل السياسة التي يعتمدها الغرب قاعدة لمصالحه وأسواقه واستثماراته في المنطقة.

ان الثنائي هنري ليفي ـ جلعاد شاليط، أقوى بكثير من الثنائي إدغار موران ـ زياد أبو عين.

قد يكون من حظ الغرب، ذات عصر، أن يتلقى صدمة كبيرة، تعيد إليه وعيه بشرطه الإنساني، ككائن متساوٍ، غير متعالٍ، مع الآخرين.

تخرج من دائرة التعميم، نخب فاضلة، بلا حول ولا قوة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى