اقتصاد

شبح الفقر يهدد الطبقة الوسطى في مصر

تواجه الطبقة الوسطى في مصر مخاوف حقيقة من تدهور وضعها الاقتصادي في ظل الأزمة المتواصلة وسط خفض قيمة العملة والتضخم المتزايد حيث بات الملف الاقتصادي على رأس اهتمامات المصريين فيما تعول الحكومة على دعم صندوق النقد الدولي.للخروج من الوضع الحالي.

وتدفع الظروف القاسية الطبقة الوسطى إلى اتخاذ قرارات جذرية بما في ذلك تغيير نمط العيش بما يتلاءم مع التدهور المعيشي وانهيار المقدرة الشرائية.

وتتساءل منار، وهي أم لطفلين، عما سيكون مستقبل عائلتها في بلد يقوم بإصلاحات اقتصادية مؤلمة استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، قائلة “نحن كمن هبطت به الأرض فجأة وأصبح مضطرا للتنازل عن كل شيء”، مشيرة الى أنها قرّرت إلغاء أي عطلات خارج البلاد لضبط مصروف العائلة.

وتصيف منار البالغة 38 عاما والتي رفضت الإفصاح عن اسم عائلتها، “كنّا نعيش حياة ليست مرفهة لكن مكتفية. الآن كل ما أفكّر فيه هو سعر الخبز والبيض”.

ومع فقدان الجنيه المصري نصف قيمته مقابل الدولار منذ آذار/مارس، ارتفع التضخم في مصر التي تستورد غالبية احتياجاتها من الخارج، الى 21.9 في المئة، وزاد سعر السلع الغذائية بنسبة 37.9 في المئة، وفق الأرقام الرسمية.

ولكن أستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبكنز في ميريلاند “ستيف هانك” المتخصص في التضخم البالغ الارتفاع، يقول إن نسبة التضخم الحقيقية السنوية “تصل الى 88%”.

لم يعرفوا هذا من قبل

وكما حدث علم 2016 عندما حُفّض سعر العملة المصرية فتضاعف سعر صرف الدولار أمام الجنيه، يدفع الثمن الفقراء وأفراد الطبقة المتوسطة.

في ذلك الحين، كان الرئيس عبدالفتاح السيسي يتحدث عن “أصعب وأقسى برنامج إصلاح اقتصادي في مصر”.

ولا يزال الاقتصاد المصري يعاني من تداعيات سنوات ماضية من الأزمات السياسية والهزات الأمنية والعنف، تلتها جائحة كوفيد واليوم من تأثيرات الحرب الأوكرانية، إذ إن روسيا وأوكرانيا هما البلدان الأساسيان اللذان كانت مصر تستورد منهما القمح، كما أنهما كانا مصدرا أساسيا للسياح الذين يزورون بلاد النيل.

ويعيش ثلث سكان مصر البالغ عددهم 104 ملايين تحت خط الفقر، وفق البنك الدولي، بينما ثلث آخر “معرّضون لأن يصبحوا فقراء”.

وتقول سلمى، وهي مترجمة في الحادية والأربعين طلبت عدم الإفصاح عن اسمها الحقيقي، أن الالتزام الصارم حتى بشراء الاحتياجات الأساسية فقط، كما تدعو حملات توعية على وسائل التواصل الاجتماعي، ليس كافيا للاستمرار.

وتضيف “خسر راتب زوجي 40% من قيمته خلال ستة أشهر”. والتنازل عن بعض السلع لا يؤدي إلا الى توفير القليل في حين أن ما يقلقها هو “قسط المنزل والسيارة وتكاليف مدرسة” ابنها البالغ ستة أعوام.

ويقول أحمد هشام المسؤول في مؤسسة “أبواب الخير” الأهلية التي تساعد العديد من الأسر، إن جمهورا مختلفا بات يطرق أبواب المؤسسة.

ويضيف “كثيرون كانت لديهم مدخرات يحتفظون بها من أجل أولادهم أو للمستقبل، يلجأون اليها اليوم من أجل تغطية مصاريف صحية أو احتياجات يومية”، موضحا أن “غالبية هؤلاء يعملون في القطاع الخاص ويكسبون ما بين أربعة آلاف الى ستة آلاف جنيه شهريا (133 الى 200 دولار)”.

ويتابع “بعض من يأتون لم يعرفوا هذا من قبل وكانوا يستطيعون تغطية احتياجاتهم بأنفهسم، ولأنها المرة الأولى التي يواجهون فيها هذا الموقف، يكون الأمر صعبا عليهم وبكادون لا يصدقون أنهم يحصلون على مساعدة من مؤسسة خيرية”.

وينقل هشام عن أحد الذين لجأوا الى المؤسسة قوله “كان يتعيّن عليه الاختيار بين أن يشتري الطعام لأبنائه أو أن يسدّد لهم مصاريف المدارس”.

ولا تقتصر الصعوبات على العائلات، بل امتدت الى جمعيات ومؤسسات أهلية زادت مصاريفها في حين قلّت التبرعات.

لا مخرج آخر

ووسط التفاوت الكبير في المداخيل ومستويات المعيشة في مصر، “يصعب تحديد” الطبقة المتوسطة، وفق الباحثة في الجامعة الأميركية بالقاهرة هدى عبد العاطي التي تقول “المشكلة هي أن هؤلاء الذين لم يكونوا قريبين من خط الفقر يمكن أن يقتربوا أكثر وأكثر منه بسبب التصاعد الكبير في التضخم”.

ويبلغ متوسط الأجور في مصر، وفق أحدث دراسة نشرت في العام 2020، 69 ألف جنيه سنويا (قرابة 2300 دولار)، أي أعلى قليلا من خط الفقر الذي حدده البنك الدولي ب3.8 دولار يوميا.

وتتابع عبدالعاطي “الذين يحصلون على هذا الدخل لم يعودوا قادرين على تأمين حاجات المعيشة الأساسية، ولكن لا تنطبق عليهم شروط الحصول على المساعدات الاجتماعية التي تمنحها الحكومة”.

وتؤكد المترجمة سلمى أنه بالنسية للحاصلين على شهادات جامعية، “ليس هناك حلّ سوى الحصول على عمل بالخارج”، فيما تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي عروض للعمل في دول الخليج الغنية والنصائح المتعلقة بوسائل معادلة الشهادات المصرية في أوروبا.

ويوجد ملايين المصريين في الخارج يرسلون قرابة 30 مليار دولار الى البلاد كل عام. وتشكّل هذه التحويلات مصدرا أساسيا للنقد الأجنبي في مصر.

أما الأسر التي لا تستطيع السفر للخارج، مثل عائلة منار، فيعدّ التعليم أولوية قصوى لتحسين فرصهم. وتلجأ هذه العائلات الى التعليم الخاص لأن المدارس الحكومية تعاني من تخمة في الفصول ونقص المدرسين، كما الى الدروس الخصوصية.

وتقول منار “للحصول على أي نوع من التعليم الجيد للأولاد، ينبغي أن يذهبوا الى مدارس تبلغ أقساطها بين 20 و40 ألف جنيه (قرابة 700 الى 1300 دولار) في المرحلة الابتدائية”.

وتتابع “المشكلة أننا لا نعرف الى أين ستصل الأمور، وأصبحنا نسير مع الموجة، ولا بدّ أن نعيش يوما بيوم، ولا بدّ كذلك أن نكون جاهزين للتضحية بأي شيء من أجل تعليم الأولاد، هذا هو الاستثمار الأهم لعلّهم يستطيعون غدا الخروج من البلد الى مكان آخر”.

 

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى