كتب

شبح الكوارث النووية يطارد العالم

رشا أحمد

انطلاقا من حادثة محطة «فوكوشيما» التي تعد الأسوأ في تاريخ الكوارث النووية بعد «تشرنوبل» 1986، يرصد كتاب «فوكوشيما – الكارثة النووية والوجه الآخر لليابان» كواليس وخلفيات تلك الواقعة وشبح هذا النوع من الكوارث عموما. الكتاب صدر حديثا عن دار «العربي» بالقاهرة وهو من تأليف الباحث الإنجليزي أندرو ليذربارو، ترجمة رانيا صبري علي.

في ظهيرة الحادي عشر من مارس (آذار) 2011، هز زلزال قعر المحيط الهادي بقوة أعادت توزيع الكتلة الأرضية وغيرت محور الأرض الرئيسي مقصِّرة دورة الليل والنهار، اندفع من بؤرة الزلزال الواقعة على بعد 75 كيلومترا شرق اليابان حائط مائي، تسونامي شاهق لا يمكن لشيء إيقافه، ووصل إلى خط الساحل الياباني في 40 دقيقة وارتطم بمحطة «أوناجاوا» النووية لكونها أقرب منشأة نووية إلى مركز الزلزال أو أرض الصفر بموجات يصل ارتفاعها إلى 14 مترا.

رجت الاهتزازات الأرضية أساس المنشأة بشكل فاق احتماله ومع ذلك نجت أوناجاوا من ذلك الهجوم المزدوج بشكل نسبي وأصبحت ملاذا للاجئين ممن فقدوا منازلهم. بعد نحو ساعة ونصف، وصل التسونامي إلى ثاني محطة لتوليد الطاقة النووية، محطة «فوكوشيما دايتشي»، لتوليد الطاقة النووية وهي إحدى أضخم المنشآت النووية وأكثرها تأثيرا على مستوى العالم، التي زعمت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية ومالك المحطة دايتشي أنهما قد اتخذا كل التدابير اللازمة للاستعداد لمثل هذه الحادثة. لم تكن تلك الإجراءات كافية فقد أغرق طوفان من المياه دفاعات فوكوشيما الساحلية الضعيفة بسهولة، ما تسبب في شل قدرة المنشأة على تبريد مفاعلاتها الستة، واضعا الحكومة في أزمة شلت حركتها وهو ما أدى إلى حدوث أفظع أزمة نووية في آخر خمس وعشرين سنة سابقة لتلك الحادثة.

ويرى المؤلف أنه ربما يكون زلزال شرق اليابان الذي وقع في عام 2011 عاملا طبيعيا ولكن انهيار «فوكوشيما دايتشي» حدث من صنع البشر وكان يمكن الاستعداد له وتجنبه تماما؛ خصوصاً أن العديد من الزلازل الضعيفة تضرب اليابان يوميا على عكس الزلازل التي ينتج عنها التسونامي والتي تأتي كل بضع سنوات.

ويستشهد «ليذربارو» بافتتاحية جريدة «اليابان تايمز» قبل7 سنوات من تلك الحادثة والتي أكدت أنه «من بين الأماكن التي لن يتجرّأ عاقل على بناء محطات لتوليد الطاقة النووية والتي بها تتصدر اليابان القائمة». ويصنف اليابانيون ضمن أقل الشعوب تأييدا لاستخدام الطاقة النووية، وأصبحوا أكثر رفضا لها بعد الحرب العالمية الثانية، حتى قامت حملة غربية تحركها مصالح اقتصادية وسياسية بالتأثير على الرأي العام الياباني ليصبح أكثر تقبلا للأمر. ومع ذلك فشلت صناعة الطاقة في توفير عوامل الأمان والسلامة في التعامل مع خطر التسونامي، كما كانت هناك عوائق تمنع وجود رقابة مستقلة حقيقية على مثل هذه المنشآت الحساسة. وأعلن مجموعة من الباحثين اليابانيين من معهدي «كيوشو» و«توهوكو» في عام 2018، أنهم

توصلوا إلى أن «حوادث الطاقة النووية في اليابان فاقت في خطورتها جميع البلاد الأخرى».

ويوضح المؤلف أنه بمرور الوقت، ومع ضغط الرأي العام وظهور العديد من المخاطر الخاصة بالتسرب الإشعاعي والتلوث الذري اضطرت بعض الدول على مضض إلى تقليل وتيرة إنشاء المزيد من المحطات النووية. ومع ذلك استمرت اليابان في المضي قدما… لماذا؟ الأمر بسيط، لأنها دولة تتكون من عدة جزر وتعاني من نقص شديد في الموارد الطبيعية للطاقة، وهو ما أجبرها على استيراد 96 في المائة من وقودها عام 2011. وبخلاف الخشب والنحاس، يعد الفحم الذي امتلكته اليابان بوفرة هو طوق النجاة، لكن مع مخاطره السيئة على البيئة توجب التخلص منه، ما أدى إلى مزيد من الأزمات التي تهدد الأمن القومي للبلاد.

تم تشغيل منجم «ميكي» للفحم وهو الأقدم والأكبر تاريخيا في اليابان حتى تم إغلاقه في عام 1997، وصحب إغلاقه انهيار في الاقتصاد المحلي، وهوس بإيجاد بديل مستدام وقدمت الطاقة النووية الحل. يمكن لكيلوغرام واحد من الفحم أن يولد 12 كيلو واط من الكهرباء لكن الكمية نفسها من اليورانيوم بعد إعادة استخدامه في المحطات النووية تولد 24 مليون كيلو واط من الكهرباء. هكذا يعترف المؤلف بأهمية الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، لكنه يحذر من القصور في إجراءات الأمان والسلامة، الذي ينتج من الفشل الإداري أو النقص في الكفاءة المهنية أو الرغبة في تقليل النفقات، ما يضع العالم بأسره في مواجهة شبح تجدد الكوارث النووية.

سبق للمؤلف أن أصدر كتابه الأول في مجال الكوارث النووية منطلقا من حادثة «شيرنوبل» حيث زار تلك البلدة وأمضى خمس سنوات في البحث والتقصي، وحقق الكتاب عند صدوره مبيعات عالية.

 

صحيفة الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى