شجاعة المراجعة
وحدها الحماقة تظل مخلصة للإنسان
ستون مقاتلاً سورياً دربتهم الولايات المتحدة بقيادة دون كيشوت من ضواحي إدلب، كمن لهم مجموعة من ضواحي حلب فأسروا نصفهم تماماً، وتشرد النصف الثاني… فصرح فوراً باراك أوباما: أحذر السوريين أيضاً من التعرض للمقاتلين الذين درّبناهم، وسنضطر إلى شن غارات جوية في كل مكان دفاعاً عنهم.
وطبعاً التهديد كان قد شمل داعش والنصرة وغيرهم.
لم يمض أكثر من ثلاثة أيام حتى صرح أن مشروع تدريب مقاتلين معتدلين قد باء بالفشل. ولم تعد، طبعاً، تعرف أين ذهب هؤلاء الإسبارطيون الثلاثون في هذه المعمعة من المعارك ،حيث الغباريبتلع بسهولة مثل هذا العدد .
غير المفهوم من تصريحات ومواقف الأمريكيين هو التناقضات. لقد وقعوا في عدد كبير من هذه التناقضات خلال السنوات الماضية، وأبرزها الاتهامات للجيش السوري باستعمال الأسلحة الكيميائية، ثم سحب هذه الاتهامات ليقتصر الأمر على حدوث الواقعة. وقرار مجلس الأمن الأخير يؤكد أن الاتهام قيد البحث عبر لجنة ستشكل لاحقاً.
التناقضات دلت على الخفة في التعاطي مع حروب هذه المنطقة وعذاب أهلها، ومستقبل أجيالها. وأحياناً الخفة تدل على الارتباك، وربما على سوء فهم ما يجري… وقد يكون ذلك النوع من اللعب مع الزمن انتظاراً غير ممل للفرص السانحة أكثر.
من اللافت أن سنوات الإرهاب ، الذي أصبح أكثر مما تخيله الجميع ، قد مرت دون اقتناع أمريكا وحلفائها بأن الخطر آت لا محالة إلى الأمكنة غير المتوقعة. لقد ترك الجميع هذه الظاهرة تتغذى. ونصف الجميع غذوها. حتى وصلت الموس إلى الذقن السعودية والكويتية والتركية. عندئذ بدأت تتطاير على الطاولات الحلول، والخطط والاجتماعات .
في هذه المرحلة سنرى الشيء الخاص بالعربان (الأقوام الذين يفكرون بعوامل السراب) الشيء الغريب حقا ، وهو “العناد”، “المكابرة” إذا شئتم. سوف يظل هناك من يموّل بعض المنظمات الإرهابية، وسوف يظل هناك من يشغّل التنظيمات مزدوجة الولاء.وسوف يظل يعتقد مفوضو الله ان بوسعهم اقناع المزيد من الجهاديين بالجنه .
الاهم انه لن يكون لدى أحد شجاعة القول: لقد ظلمنا السوريين حين دمرنا بلدهم من أجل إسقاط نظامهم. ونحن اليوم سنعيد ترتيب الأولويات، ونعترف أن الثمن الجحيمي للتغيير كان أغلى من كل حسنات جنة التغيير.
كلمة الشجاعة في السياسة هي الاعتراف بضرورة مراجعة الأخطاء في أقرب وأنسب وقت، ثم إعادة بناء سياسة تنسجم مع الحقائق ونتائج سنوات الصراع. وها هو الرئيس أوباما يعترف أنهم لم يستطيعوا تجنيد وتدريب أكثر من ستين شخصاً بعضهم أقصر من ان يطبق عليه مواصفات الوحدات الخاصة أو المارينز.
يكفي …صرف أموال على مشروع لا يمشي إلا على الجثث ولا ينتصر بالجثث.
يكفي… تسليح بشر قادهم البؤس إلى العنف، والعنف إلى تمزيق الثوب السوري الملون والقديمً.
يكفي… مراهنة على المقاتل الديني، وعلى المقاتل الدنيوي:
كلاهما، حين يعسكر الحياة، يقتل الحرية.