شعب اللغة
تعوم البطة البلاستيكية…ولكنها لا تطير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“أسوأ أنواع الرحيل…من رحل عنك ولم يرحل منك”
هكذا يبدو العالم موحشاً، بغياب الكثير من الأصدقاء والأقرباء، فهم ذهبوا مؤقتاً، بسبب الحرب، ولكنهم لن يعودوا أبداً بسبب المستقبل.
الوحشة تأتي من فائض ما كانوه بيننا، وتكبرمن نقصان ما غدونّاه نحن بعدهم. والوحشة اختراع المكان الغريب، والانتباه إلى ما لم يعد حنوناً أو صديقاً، أو أليفاً.
الوحشة ، مثل الوحشية تنمو كما تشاء ، بانفعال أشواكها.
الوحشة في هذا الفراغ هنا هو ما تشكله الشوارع بأنقاضها، والبيوت بخرابها، والمدن بعتمتها…ولكن المشهد الذي يدلك على الوحشة هو صرة المهاجر على كتفه، كما في رموز التيه، وهو القصص التي بقي من أبطالها من يروي طرفاً منها. وهو أيضاً النوم المعتم المظلم العميق لمدينة ظلت منذ أديسون، مخترع الكهرباء، لا تنام إلا لتقول لأولادها:
“غداً…المدرسة”.
لا أريد أن أصبح الحارس اللغوي للوحشة، ولا أستطيع أن أكون مندوب الدمعة التي حرقت عائلة، بصواب حزنها. فثمة مهمات عسيرة أخرى من بينها التحديق بهذه البلاد… والقاء السؤال في وجهها ، كمن لديه ثقة عظمى بصواب جوابها… البلاد التي لا بد أن تكون قد جرّبت استحالة ادارتها بخمس أجهزة مخابرات…
البلاد التي لا بد أن تكون قد عرفت أن الطائفة لا تحمي الأطياف، وأن المعارك التي سموها “عبثية” هي هذه التي تكثر من الموت، وتنقص من الحياة… المعارك التي لا ينقصها العتاد والعناد، ولكن ينقصها النصر.
السؤال الذي يحير الروس والأمريكان والحسين بن علي…هو: متى تنتهي هذه الحرب؟ وقد يكون الأبن الأول لهذا السؤال: كيف تنتهي هذه الحرب؟في بقايا جلسات الوحشة التي يتقاسمها (رغيفاً أو بسكويتاً) رواد مقهى الوحشة الجديد…يطرحون هذا السسؤال، السؤال العسير المولود من وضوح الغموض !
ثمة، في إحدى الجلسات، من قال: لا أحد يريدها أن تنتهي. لأن الجميع مستفيدون منها. ولأن المستفيدين عديدون، ولأننا اكتشفنا أن السوري جندي عند إله ما من هؤلاء: الله. المال. السلطة. والحلم أيضاً (الذي صار كابوساً).
في إحدى الجلسات الأخرى…ثمة من قال: اقترب الحل لأن الجميع تلقوا أسلحة جديدة.
ثمة من ختم الجلسة حزيناً…قد يكون الحل اقترب، بسلاح جديد أو قديم. قد يكون المستفيدون اقتنعوا بأن هذا يكفي : “ماتت سورية”.
قد يكون الروس والأمريكان هم من سيعمّر هذه البلاد حجراً حجراً بعد تدميره حجراً حجراً.
ولكن…من سيرمم بيت الوحشة الإنساني؟…
ومن يفتح نافذته لهواء القادمين؟
ومن يقسم رغيف الخبز فوق هامة العائد؟
من ومن ومن ومن؟!
أفكر بشعب لغوي مؤلف من منوعات هذا الحرف.
وأقول لنفسي: السؤال جواب !