كتب

شقائق الشيطان’ رواية حالمة تغوص في دواخلنا

شقائق الشيطان’ رواية حالمة تغوص في دواخلنا ..ضمن لقاءاته الأدبية المتصلة بالرواية وما جاورها ينظم بيت الرواية بمدينة الثقافة بتونس العاصمة لقاء أدبيا مع الروائي نعمان الحباسي وذلك في اطار برنامج “توقيعات راعي النجوم ” يوم 10 ديسمبر/كانون الاول وذلك بحضور رواد النادي وأحباء الرواية.

وينتظم هذا النشاط بمناسبة صدور رواية الضيف وعنوانها “شقائق الشيطان” للكاتب نعمان الحباسي.

ويقدم هذا الأثر الأدبي الشاعر بوبكر العموري،  ويشغل وظيفة مندوب جهوي للشؤون الثقافية بمحافظة الكاف التونسية.

 وقد صدرت الرواية منذ أشهر قليلة عن دار ميارة للنشر والتوزيع.

وفي خصوصها كتبنا على سبيل التعاطي والتفاعل والتناول ما يلي “السرد فعل كتابة مخصوصة تمنح من العوالم والدواخل والشواسع حيث الذات في سفر حكائي يرتجي فيه ومنه الكاتب وشخصياته ورواته وأزمنته وأمكنته … و غير ذلك شيئا من لطف الروح وصخب القلب واعتمالات العقل في مواجهة العالم قديمه وراهنه”.

..السرد ضرب من الدأب الكتابي في سكينته وجنونه ومناخات حالاته الشتى تجاه الكائن وهو يجترح موسيقى سيره في الأرض منصتا للآخرين في شؤونهم وشجونهم مبديا دهشته وحيرته وكذلك طمأنينته وسعته، كل ذلك نحتا للقيمة وقولا بالشجن البليغ وربما الافصاح عن سخرية تصلح لقادم الرغبات”.

“ها هو السارد هنا يأخذنا طوعا وكرها الى عوالمه الملونة بالتداعيات المربكة والشيقة في كون متلاطم الأحداث حيث الكتابة هنا ضرب من العزاء والسلوى وما يشبه النواح الخافت والأناشيد المدسوسة في الاصوات التي هي بين الأهازيج والعواء والنهوند.

ستة فصول كانت بمثابة التنويع في ذات النسق السردي تخيرها نعمان ليمضي بقارئه الى جوه السردي وفق رواية هي كما يبوح منذ صفحاتها الأولى (رواية حالمة واهمة، مبدئيّة الموضوع مركّبة الصورة تبحث في دواخلنا، ربما عن نقصنا أو كمالنا…).

في أكثر من 150 صفحة صب الروائي نعمان الحباسي جام سرده منطلقا من تناقضات الحال والأحوال في زمن مفتوح وهو يغوص في الكنه والوجدان والوجود وبجمل وفقرات شديدة الارتباط والسرعة في بوحها وفيضانها وبروح حكائية ممتعة ويجد فيها القارئ ما هو مشوق.

أحداث في زمن ممتد وعوالم من المعيش السياسي والثقافي والمعولم و”قرَوْدَحُ ” و”ٌالوقواق” وسبل الوُجود  ومتاهاته وبين الكتب والكتب حوار بين ..كتب الطبخ و نهاية التاريخ ..فوكوياما هنا .. فسحة الخيال في أنس الواقع ومعوقاته وأدغاله في الثقافة والحرية..والجثث المختلفة والمغامرة والصراع والدهشة..

وفوكوياما الذي هده الفشل..فشل المنوال. والرفيقان يواصلان الطريق يبحثان عن المورستان.. نعم هنا كتاب الطبخ الذي يجلب السعادة…عالم مدهش وبعضه معلوم عندنا ودهشة طي السرد رام من خلالها ساردها قولا بليغا تجاه الجميع بل تجاه ذاته في ضروب من السخرية وفي جهد تجريبي من حيث طرائق السرد والاسترسال في الحكي وهي مغامرة الحباسي في هذه الرواية الأولى في رصيده .

.بعد الاهداء الحميمي في العبارة من العائلة الى الخلان والمتن والهامش يشير الكاتب الى ما يراه بمثابة الانشقاق والمعالم لهذا العمل الروائي لنقرأ الآتي “… رواية حالمة واهمة، مبدئيّة الموضوع مركّبة الصورة تبحث في دواخلنا،ربما عن نقصنا أو كمالنا، لا منهج ولا أساليب في تطبيقها، إنما هي وحدة مجزّأة متكاملة تنفر من الـواقع وتستجدي الحلم والوهم. كلماتها عابرة، سيئة التعبير، غِلْظَةُ المشهد سليل الوجع .

‎صورة رديئة لبصيرة معتمة عمياء، لن تسمع ولن تنحني إلا بانقلابها حول ذاتها، قبل التشريع لها في ملحمة التقاتل مع واقعها.

‎احتمال الاصطدام وشيك، ينبع من وحدة الشكّ وجمهرة الصدمة وبصيص النور القائم ضمن قتامة المشهد وعُتمة الرؤى، سبيل الفرد لا يعدو حلمه أوْ وَهْمه ولكنه واقع ضمن الأمل ومنطلق منقلبات الجسد والروح على الطبيعة.

‎التجريب فيها بحث، والبحث من خلالها تجريب، انتظم من الكتابة في الوجود، ووجد من الموجود في الكتابة، علّهُ يتمرّدُ عليه”.

هذه الرواية “شقائق الشيطان” للكاتب نعمان الحبّاسي صدرت عن دار ميّارة للنشر والتوزيع وبعد انطلاقها سرديا بكونها  “رواية حالمة واهمة، مبدئيّة الموضوع مركّبة الصّورة تبحث في دواخلنا، ربّما عن نقصنا أو كمالنا، لا منهج ولا أساليب في تطبيقها، إنّما هي وحدة مجزّأة متكاملة تنفر من الواقع وتستجدي الحلم والوهم. كلماتها عابرة، سيّئة التعبير، غِلْظة المشهد سليل الوجع”…تمسك بالقارئ وتشده الى جسدها اللغوي المعتق والساخر والمغري انتهاء الى حكاية فوكوياما و كتابه.

كل ذلك في فسحة مشوقة بين الخيالي (الخيال شخصية في الرواية) والواقعي والعجائبي والمسلي والموحش والموجع.

لقد تخير نعمان في هذا العمل نهج البسيط العميق سردا وفكرة واسلوبا ومضمونا من خلال تلميح واشارات لوقائع وواقع هنا وهناك في كون معولم تهددته وعبثت به كائنات هشة غبية فارغة وطغت عندها ثقافة الواجهة وكتب الفراغ واللهو ..لتسقط القيمة وتنهار كل ذلك في الفصول داخل “شقائق الشيطان” وهي : “اللّعنة ونزلاء القفار والعبث ومطامع الغفران وشطرنج الحياة والدّائرة “.

كتابة فيها ممكنات النظر والتأويل فكأننا أمام لوحة تشكيلية فيها مشهدية سردية تجريدية تسائل واقعها في لغة محفوفة بالدهشة ومحيلة على التأويل.

الكاتب هنا و في هذا الزخم من الاحداث وأزمنة الكتب الواردة طي السرد الشقائقي مسكون بالتاريخ بل انه يعود  اليه من خلال ما يحضر في الرواية مشيرا بذلك الى أن الانسان هو الانسان منذ القدم و الازمنة الغابرة.

هناك الصراع بين الجميل والقبيح وبين الخير والشر و لعل الحديث عن كتاب “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” لفرانسيس فوكوياما هو في سياق ذلك حيث المجال لكتب الطبخ وهنا اشارة للكون المعولم وكائنات مجتمعات الاستهلاك.

.و لعل الكاتب كذلك بانتهائه في روايته هذه بشكل العود على البدء يشير ويبرز شيئا من تلوينات اليأس والاحباط وما الى ذلك من قبيل الجهل أمام المعارف والنبل تجاه الرداءة والسقوط والفراغ.

رواية تمدح القيم تجاه الخواء والسقوط والتداعيات المريبة والجشع و تشير بسحر كتابها الى مواقع الداء الانساني و الوجداني نحتا للقيمة وللانطلاقات الجديدة لشعوب نائمة في فراغات يحرسها الفراغ.

هي رواية تمجيد الخيال الذي جعل منه الكاتب شخصية في واقع حيواني مترد كل ذلك تقصدا للحياة المؤسسة على الرقي والجمال وما هو نتاج معارف وعلم ونقاء..

من النص الروائي “شقائق الشيطان” نقرأ ما يلي ” ….و لم يدر الخيال كم من زمن مر ليس كالزمن ..أهو دهر.أم هو حياة بأكملها..أتراه زمن القيامة أم التجربة..كان ينتظر استفاقة القرودح أو موته لانهاء القصة والتسليم للمصير المحتوم.فقد أغفل منذ بداية لوثة القراءة التعريف بنفسه رغم كونه شخصية يطلب النقاد تعريفها لاستكمال تقنيات الرواية في عمل تأملي صمم صاحبه على الالتزام بتجريب مسالك أخرى …..”.

فعلا الرواية مجال تأويل و قراءات حيث أننا ازاء متن سردي هو الأول لصاحبه في مجال الفن الروائي يسعى من ورائه لقول الكثير في فسحة من النظر تجاه أشياء كثيرة حدثت / تحدث في أكوان الناس.

.لقد تخير لغته ..حيرته.. وأسلوبه ودهشته الباذخة ليشير الى ذاته والى الآخرين…والى الآفاق.

وعود على بدء كما جاء في الرواية وخيطها الناظم هي لعبة سردية مشوقة ناقدة لاذعة حالمة محبطة  “رواية حالمة واهمة، مبدئيّة الموضوع مركّبة الصورة تبحث في دواخلنا، ربما عن نقصنا أو كمالنا”.

.رواية زمن بل أزمنة دعاها الكاتب نعمان الحباسي ليحاور طياتها وتفاصيلها وعيا بالزمن هذا على عبارة اميل سيوران “الوعي بالزمن مؤامرة على الزمن”.

 

 

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى