كتابان صدرا حديثاً – أحدهما في هذا العام – عن وليم شكسبير (1616 – 1564) ومتى كان الحديث ينقطع عن شاعر الإنجليزية – بل شاعر الإنسانية – الأكبر؟
كلا الكتابين من تأليف امرأة، وكلاهما عن شكسبير والنساء. ولكن الطرق تنشعب بهما بعد ذلك. فأحد الكتابين – على إسهابه – لا يكاد يقول شيئاً مقنعاً. والكتاب الآخر – على إيجازه – يضيف جديداً إلى موضوعه. الأول أقرب إلى الإثارة الصحافية والآخر بحث أكاديمي رصين.
شكسبير كان امرأة وهرطقات أخرى
أمّا الكتاب الصادر في هذا العام 2024 فهو «شكسبير كان امرأة وهرطقات أخرى»
Shakespeare was a woman and other Heresies
من تأليف إليزابيث وينكلر
Elizabeth Winkler
وهي ناقدة وصحافية أميركية. والكتاب صادر عن دار نشر «سيمون شوستر» في نيويورك في أكثر من 400 صفحة.
ترمي المؤلفة – بحسب قولها – إلى «إماطة اللثام عن بعض الأساطير المتعلقة باسم شكسبير. وإدانة مَن يقبلون نسبة أعمال شكسبير إليه دون فحص ولا تدقيق أيضا. كما ورفض لعبادة الشاعر في الأوساط الأكاديمية وكأنه وثن مقدس لا يمس».
شكسبير ليس مؤلف المسرحيات والقصائد القصصية وإنما مؤلفها امرأة
ودعوى المؤلفة – كما هو واضح من عنوان الكتاب – أن شكسبير ليس مؤلف المسرحيات والقصائد القصصية والسوناتات (154 سوناتة) التي تنسب إليه أيضا. وإنما مؤلفها امرأة جرت التغطية على هويتها الأنثوية لأسباب مختلفة. قديماً أنكر البعض أن يكون لشكسبير ذاته وجود تاريخي، والآن تنكر وينكلر عليه أن يكون مؤلف المآسي والملاهي والمسرحيات التاريخية التي ارتبطت باسمه منذ القرن السادس عشر.
البراهين التي تستند إليها إليزابيث وينكلر :
ما البراهين التي تستند إليها إليزابيث وينكلر تأييداً لدعواها؟ يمكن تلخيص حججها فيما يلي: (أولاً) لم تصل إلينا أي مسرحية بخطه. (ثانياً) كان العصر بقيمه الأبوية لا يسيغ أن تكون المرأة كاتبة أو أن تخرج إلى الفضاء العام ومن ثم كان كثير من النساء الموهوبات ينشرن أعمالهن بلا توقيع أو تحت اسم ذكري مستعار أيضا. (ثالثاً) نحن نعرف أن شكسبير لم يغادر حدود بلده إنجلترا قط. فمن أين تسنى له أن يدير أحداث مسرحياته في بلدان ومدن أجنبية مثل أثينا وروما والبندقية وفيرونا والدنمارك وصور والإسكندرية أيضا. (رابعاً) لم تثر وفاة شكسبير في 1616 اهتماماً يذكر بين معاصريه مما يبعث على الشك في أنه كان مؤلفاً مرموقاً.
والواقع أن وينكلر ليست أول مَن يشكك في نسبة مسرحيات شكسبير إليه أيضا. فقد عبّر عن هذه الشكوك قبلها آخرون. ويتذكر المرء في هذا المقام أن الروائية الإنجليزية فرجينيا وولف في كتابها المسمى «غرفة خاصة» (1929) – وهو مثل كتاب سيمون دي بوفوار «الجنس الثاني» (1949) من الأعمال المؤسسة للنقد النسوي في القرن الماضي – راحت تتخيل أنه ربما كانت لوليم شكسبير شقيقة تعادله نبوغاً وعبقرية. ولكن ظروف عصرها واستبداد الرجال بالنساء لم تتح لموهبتها النمو والازدهار أيضا. وتركتها ملقاة في منطقة الظل على حين حظي أخوها وليم – لأنه ذكر – بالنجاح المادي وذيوع الصيت عبر الأجيال.
إثارة الشكوك حول تأليف شكسبير لأعماله دون تقديم أي دليل
على أن وينكلر تكتفي بإثارة الشكوك حول تأليف شكسبير لأعماله دون أن تقدم أي بديل واضح معزز بالأسانيد الموثقة لمؤلفها الحقيقي. وتذكر على سبيل التخمين لا الجزم أن أعماله ربما كانت من تأليف إميليا باسانو وهي معاصرة له ومؤلفة ديوان شعري واحد ظهر أثناء حياتها.
وخلاصة ما تقوله وينكلر. أن مسرحياته «ثقب أسود» مجهول وأن اعتبارات شتى – قومية وإمبراطورية ودينية وأسطورية وجنوسية وطبقية – تكمن وراء نسبة هذه المسرحيات إليه.
هذا وقد قوبلت آراء وينكلر هذه بالرفض من كبار دارسيه في عصرنا مثل ستانلي ويلز وجوناثان بيت وجيمس شابيرو أيضا.
صحيفة الشرق الأوسط اللندنية