شهادة فؤاد بلاط بي ، وشهادتي به !

أخطر ما نكتبه نحن الذين نشتغل بالصحافة والكتابة، هو المديح.
لأن أول خطر يتعرض له النص المكتوب في هذه الحالة هو القولبة. وعندما يكون من الضروري قول الحق، فلابد عندها من الموضوعية .
قرأتُ في مواقع خارجية عن الإعلامي الراحل فؤاد بلاط أشياء لا أوافق عليها. بل وهو أيضا لايوافق عليها، فهو شخصية إشكالية في الإعلام السوري، والذين يحبونه كثيرون .
وإذا كانت سيرته تشغل حيزاً كبيراً في الإعلام السوري، فهذا يجعل الكتابات عنه كثيرة، لأن أكثر من جيل إعلامي عاصره في المواقع التي استلمها. بدءا من محرر في صحيفة (كفاح العمال الاشتراكي)، ووصولا إلى معاون وزير الإعلام ونائب رئيس المجلس الوطني للإعلام مرورا بموقع المدير العام للإذاعة التلفزيون، أي أنه خاض تجربة عميقة في كواليس الإعلام السوري. كان عليه رحمه الله أن يكتبها.
وأهم ما فيها أنه تعرض لمنعطفين خطرين
الأول. عندما عُرض عليه منصب المدير العام للإذاعة والتلفزيون. كان واضحاً وصريحاً وأعلن رأيه بثقة كبيرة في النفس : “أنا محرر في صحيفة نقابية، ولكن لا أعرف شيئاً في صناعة الإذاعة والتلفزيون) وقيل له مزاحاً: (من أجل ذلك أنت هنا)، فضحك .
والثاني، عندما عوقب. فنقل من موقعه الكبير. إلى أرشيف صحيفة الثورة، وبقي هناك سنوات، يعيش رطوبة المكان ووحشة الإبعاد عن العمل الصحفي الفعلي. ولم يستسلم.
وعندما يكتب أحدهم أن فؤاد بلاط شكّل مدرسة في الإعلام مع الإعلامي الراحل الوزير الأسبق أحمد اسكندر أحمد. فالعبارة هنا تأخذه إلى غير ما كان عليه. لأن فؤاد بلاط لم يقل ذلك. بل كان حريصاً على تفهم الموقع الذي هو فيه والارتقاء بالعمل بصدق . دون أي إدعاء من هذا النوع، وبالفعل أستثمر الإنتاج الدرامي الموجود في فترته بين عامي ( 78 ، 85) . ثم نهض به الكاتب الراحل عبد النبي حجازي في فترته بين عامي (88 إلى 96) بفورة الإنتاج الكبير، لكن البرامج والأخبار ظلت تحبو ببطء . .
وقبل أيام ، انتقد أحد المسرحين المعروفين عبارة وردة في مقال لي عن برنامجي التلفزيوني (كلام الورق). فقمت بالتعليق بعبارة تؤيد رأيه . وتؤكد أنني أسعى لتجاوز هذه السلبية، التي أشار إليها.
وعندما أحس هذا المسرحي بأنني احترمت رأيه لأنه شجاع ومنطقي ، أرسل لي رسالة جاء فيها: “سألت فؤاد بلاط مرة بين الجد واللعب هل يوجد إعلامي حقيقي في سورية فقال نعم عماد ندّاف . وكانت أول مرة (أعرف) الاسم فدفعني الفضول لأعرف عنك أكثر”.
هكذا كتب لي هذا الفنان الذي كان صديقا لفؤاد بلاط ، وهذه شهادة كبيرة وأنا لا أجرؤ أبداً بإدعاء هذه المكانة. ولكني أجرؤ أن أقول إن الصحافة عندنا، لم تنجح أبدا في تقديمنا إلى الناس، على الأقل . لأنها لم تكن مطبخاً جديراً بتقديم الأسماء، وصناعة النجوم في الصحافة. وهنا أعود إلى فؤاد بلاط فقد كان في موقع المسؤولية.
وكان عليه أن يسعى لتحويل الصحافة السورية إلى مطبخ كبير، وإذا كان قد سعى فعلاً ، ولم يستطع، فليس من حق أحد أن ينسبه إلى مدرسة الوزير الراحل أحمد اسكندر أحمد، القول بأنه لم يستطع أفضل .
إن فؤاد بلاط رجل العلاقات العامة الفذ في الإعلام السوري، فتح الباب لكل شاب أراد أن يعمل بصدق، ودافع عنا كصحفيين في كل الظروف الصعبة، وأمام الأجهزة، وهذه ميزة كبيرة في أدائه. لكن الذي كان ينبغي أن يشتغل عليه . هو ما وراء الباب أي النهوض بالمهنة ، بحيث ترتقي الصحافة السورية إلى مستوى التنافس الإعلامي في المحيط العربي والذي نحتاجه في أخطر المراحل التي مرت بها البلاد، وأعتقد أنه لم يكن يستطيع وإن حاول!