أهم الشعراء والنقاد الأيرلنديين يرى أن فعل الكتابة يجب أن يكون متحرراً من الإكراهات والقيود الأيديولوجية، وأن الشعر يجب أن ينقذ الحقيقة والعدالة من أنقاض التاريخ، وأن يرفض كل أشكال الاستبداد والقمع.
شيموس هيني (13 ابريل/نيسان 1939 – 11 فبراير/شباط 2009) هو أحد أهم الشعراء والنقاد الأيرلنديين، وقد حصل على جائزة نوبل سنة 1995 تتويجاً لإنجازات إبداعية فريدة في مجال الشعر والنقد، وفي هذا الكتاب وعنوانه “سلطة اللسان” ترجمة: أسامة إسبر، يسلط هيني الضوء على شعراء عانوا القمع السياسي، ويقوم من جديد تجربة شعراء كبار كأودن وإليوت، وسيفيا بلاث، وماندلشتام، ولويل، وغيرهم، مقارباً تجاربهم من منظورات جديدة.
في هذا الكتاب يعلن أن فعل الكتابة يجب أن يكون متحرراً من الإكراهات والقيود الأيديولوجية، وأن الشعر يجب أن ينقذ الحقيقة والعدالة من أنقاض التاريخ، وأن يرفض كل أشكال الاستبداد والقمع.
شعراء يقاومون القمع بـ”سلطة اللسان” كتاب عبارة عن محاضرات نقدية تناول فيها هيني الكثير من التجارب الشعرية والنقدية المعاصرة، فتحت عنوان “وقع الحوافر الذي لا يهدأ”، تحدث عن خصوصية الكتابة لدى الشاعرة الأميركية سيلفيا بلاث، المنتحرة بالغاز، ويقرأ أيضاً في تجربة الشاعر والناقد الأميركي روبرت لويل، مبيناً تمكنه الخاص من التراث الأدبي وتثقيف الأذن الأمية، منجزاً سلطته عبر صياغة أبياته، في انسجام مع الممارسة التقليدية للكتابة، واصلاً فيها إلى درجة من التوتر والكثافة، عبر ما يسميه الذروة الموسيقية، أو الإيماءة الدرامية، فيقارن بين أعمال الشاعر الروسي أوسيبمندلشتام، وأعمال لويل، برفض الاثنين للتكيف مع الواقع بشكل غريزي وقسري، والوقوف في وجه الشمولية السياسية؛ حيث وضع الشاعر الروسي مجموعة من الأعمال الشعرية الثورية الغاضبة التي سماها بالنثر الرابع، ورغم أن الشاعرين تجاسرا على تقديم نفسيهما من خلال نصوصهما، إلا أنهما كانا محط الأنظار في مواجهتهما للسجن والموت والنفي، لاسيما بعد بيان الشاعر الأميركي الشهير عن المسؤولية الشخصية.
وفي الفصل الذي يحمل عنوان الكتاب “سلطة اللسان” يشير هيني إلى أن قراءة إليوت، والقراءة عنه، كانتا تجربتين بالنسبة إلى جيله مهمتين، وكان أحد الكتب المؤلفة عنه هو “الشعرية الجديدة” للناقد النيوزيلندي سي كي ستيد، وكان أحد أهدافه إظهار كيف أحدث إليوت في “الأرض الخراب” قطيعة تامة مع الشعراء المشهورين في ذلك الوقت، الذين كانوا معاصرين لإليوت، سيدعوهم الشاعر الروسي أوسيبماندلشتام “متعهدي المعنى الجاهز” المفسرين المخادعين في الشعر.
قدم ستيد أيضاً التوجيه والمتعة عبر استقصاء عناوين ومراجعات كتب ثار “الشعر الجديد” ضدها، وأشار إلى أن القصيدة محصنة من زاوية توقعات الجمهور، وقال المدافعون الأوائل عنها إذا كان الشعر خطاباً له معنى، فإن الأرض الخراب هي في الواقع خطاب، عدا تلك القطع المفقودة منها، وأكد ستيد أن هذا خطأ، فالقصيدة لا يمكن أن تفهم بنحو صائب إذا قرئت كخطاب “حذفت منه وصلات معينة في التسلسل”.. “ليس هناك ناقد مهتم بالمعنى يستطيع أن يمس الكينونة الحقيقية للشعر الأول”.
إن قصيدة الأرض الخراب، في قراءة ستيد، هي دفاع عن شعر الصورة والبنية والإيحاء والإلهام، وعن الشعر الذي يكتب نفسه، وتمثل هزيمة للإرادة وبزوغاً لما لا يدحض، ولما هو متألف رمزيا من أعماق اللاوعي، اخترقت القصيدة البناء العقلي، أو عبرته، كما لو أنها اختراق لجدار الصوت، فالقصيدة لا تزدري العقل.
ويتحدث هيني عن حاجة الشاعر إلى تخطي أناه لكي يصبح صوت ما هو أكثر من السيرة الذاتية، وحين يحدث هذا، على مستوى اللغة الشعرية، يرتفع الصوت والمعنى كمد لغوي، كي يحملان التعبير الفردي بعيداً على تيار أقوى، وأكثر عمقاً مما يمكن توقعه، ويمتلك الشعراء المختلفون أفكاراً متنوعة حول كيفية إنجاز هذا الأمر، فروبرت فروست يرى أن هناك إيقاعاً دعاه “صوت المعنى” وعدّه الشرط المسبق للشعر، ذلك إن إيقاعات القصائد الفردية يجب أن تمثل هذا الصوت قبل إمكانية سماعها كأمر حتمي.
وكان إليوت أكثر تبنياً لفكرة التي تقول إن الشعر يحتوي على مستويات من الطاقة أكثر قدماً وعمقاً من تلك التي يقدمها المعنى الواضح، والمنبه الإيقاعي المباشر، هذه هي صياغته للخيال السمعي، إنه الشعور بالمقطع والإيقاع، وهما يخترقان في أسفل المستويات الواعية للفكر والشعور.
ميدل إيست أونلاين