صدور كتاب جديد للدكتور علاء محمود أبوعامر

عن مكتبة كل شيء في حيفا/ فلسطين المحتلة ، صدر للمفكر والباحث والروائي الفلسطيني الدكتور علاء محمود أبوعامر كتابٌ جديد ضمن سلسلة إعادة كتابة وتحليل تاريخ فلسطين والمشرق العربي القديم كتاب “فلسطين السورية الفينيقية” وهو الكتاب الرابع للكاتب بعد مؤلفاته “فك الشيفرة التوراتية” و”في البدء كان ايل” و”الفلسطينيون الكنعانيون القدماء” يقول الكاتب الدكتور علاء ابوعامر في مقدمة كتابه الجديد هذا الكتاب “فلسطين السورية الفينيقية”، يتناول فترة الاحتلال الفارسي لفلسطين، 539-333 ق.م، والذي نعتقد أن فيه، نشأت الديانة اليهودية، عبر مجموعة من الكهنة الكاسيين-الكلدان، الذين قدموا من بابل، مُمثلين لملك الفرس “قورش”، والذي تُشير المصادر اليهودية، أنه اعتنق الدين اليهودي، على يد النبي الفلسطيني دانيال، كبير كهنة المجوس، في بلاط نبوخذ نصر، وبلاط داريوس المادي، وبلاط قورش الفارسي. ولأنه من الصعب، الدخول في موضوع اعتناق قورش الدين اليهودي، وانتشاره،

في مملكته، ومملكة الفرس الإمبراطورية، دون الحديث عن خلفيات صانعي هذه الأحداث، أمثال دانيال النبي، وموردخاي، واستير، ونحميا، وعزرا، وزر بابل، وغيرهم من الكهنة، الذين وصفوا بأنهم ينتمون إلى إقليم ايوديا الفلسطيني، جنوب الضفة الغربية لنهر الأردن، فأننا عدنا لجذورهم التاريخية، التي كنا قد وصفناها، وصفًا دقيقًا، في كتابينا السابقين: “فك الشيفرة التوراتية”، و”في البدء كان ايل”، سيجد القارئ الكريم، تكرار لبعض الأحداث، ومعلومات قد قرأها في كتابينا السابقين، لكنها هنا، أكثر توسعًا، ومن مدخل جديد، مختلف إلى حدٍ ما، عما سبق.

في هذا الكتاب، بحث حول مسمى “سوريا الفلسطينية”، بحث توصلنا فيه إلى نتائج مخالفة للنظريات الشائعة السابقة، التي رُوّج لها عربيًا وعالميًا، من خلال المؤرخين، وعلماء الآثار، حول تسمية سوريا ومصدرها، وإرم، وآرام، ومصدرهما، وهذا قادنا إلى أرمينيا وجوارها، واكتشفنا بلاد السوريين (السريان) البيض، التي تدعى بنط/س، وبنطس قادتنا للربط بينها، وبين بلاد بونت الكنعانية–الآرامية الفلسطينية، وبالتالي، أخذتنا بلاد بونت، إلى بلاد الأنباط العربية الآرامية، وهكذا إلى فينيقيا والفينيقيين، ومنها إلى بلاد الكلدان، وبما أن الكلدان هم كهنة المجوس، والمجوس هم سحرة يهودا، وسحرة يهودا هم الذين أنتجوا روايات، وأساطير التوراة، فهم رأس المشكلة، التي باتت تسمى قضية فلسطين، التي نعيشها اليوم.

لن نتحدث في هذا الكتاب سياسةً، فحقلنا هو التاريخ فقط، وتحليل مضامينه، وسياقاته، بطريقة موضوعية، فيها حياد كبير، مجرد من النظرة الحالية، لأحداث اليوم، المرتبطة بالغزو والاحتلال الصهيوني، حيث تعاملنا مع كل المكونات القومية، والعرقية، والدينية، التي عاشت في الماضي، كفلسطينيين، وأبناءً لهذه الأرض.

من خلال هذه النظرة الموضوعية، بحثنا في كل ما جدّ في تلك الفترة، من أسماء، ومسميات، وحركات، وتنقلات للشعوب. فكفكنا تاريخ الشرق القديم، وحاولنا حل بعض ألغازه، من خلال تحليل نصوص التاريخ، المتعلقة بتاريخ فلسطين القديم، لذا هي سلسلة، بدأناها منذ بدايات التاريخ، ولم نضع بعد، خطًا لإنهائها، فهي مستمرة، طالما بقي شيءٌ غامضٌ، لم يُبحث، ولم يُفسر، تفسيرًا منطقيًا.

أما كيف بدأنا البحث عن “سورية الفلسطينية”، أو “فلسطين السورية”، في كتابنا هذا، فقد لفتَ انتباهنا، استخدام “هيرودوت” هذا المسمى لفلسطين، فترة الاحتلال الفارسي، أو الإمبراطورية الفارسية، في الفترة، من 539-333 قبل الميلاد، وأردنا معرفة مصدر التسمية، وقادنا حب المعرفة، لمعرفة كل ما ارتبط بهذا الاسم، حيث أطلق هيرودوت، ومعه عدد من المؤرخين الإغريق، ومن بعدهم الرومان، على فلسطين، في الفترة الممتدة، ما بين القرنين، الخامس قبل الميلاد، أي فترة الاحتلال الفارسي، وحتى القرن السادس الميلادي، فترة الفتح العربي الإسلامي، على الإقليم الجنوبي لبلاد الشام، الاسم المركب “فلسطين السورية”.

ومن الجدير بالذكر، أن اللاحقة المرتبطة بالاسم، أي “السورية”، اعتبرها معظم المؤرخين العرب، لاحقة طبيعية، لمنطقة جغرافية تتبع سوريا، حيث لا غرابة فيها، ولا مفاجأة، فسوريا، هي الكل، وفلسطين، هي إقليم فيها، أي الجزء، ليس إلا. إذ من المعروف، أن الفلسطينيين الحاليين، سوريون، ينتسبون إلى الإقليم الأكبر، وهو بلاد الشام، فهم شاميون، وليسوا شعبًا منفصلًا عن جواره، لا لغةً، ولا حضارةً، ولا تاريخًا، وهذا صحيح. فهذه البلاد، المحصورة ما بين نهر الأردن، والبحر المتوسط، وبين لبنان الحالي، وصحراء سيناء المصرية، هي جزء، مما بات يعرف جغرافيًا بـ”سورية الطبيعية”، التي تمتد حدودها، من شمال الحجاز، وحتى جبال طوروس، جنوب تركيا، ومن الشاطئ الغربي للفرات، حتى البحر الأبيض المتوسط، وهو ما أطلق عليه العرب، في الماضي، والحاضر، تسمية “بلاد الشام”، أي بلاد الشمال.

وبالرغم من هذه الخلفية المعرفية، إلا أننا وجدنا، أن في الأمر غرابة، خصوصًا بعد مراجعتنا لبعض كتب التاريخ القديم، وتحديدًا ما كتبه المؤرخون اليونان، في ذلك الزمان-القرن الخامس قبل الميلاد-حيث تبين معنا، أن التسمية الجديدة، لم تكن طبيعية، بل إن إطلاقها، كلاحقة لاسم فلسطين، طرح علامات استفهام حول مصدرها، وتسمية أحد أقوامها بالسوريين، تمييزًا لهم عن الفينيقيين، والعرب، اللذان شكلا المكونين الآخرين، لسكان فلسطين، في ذلك الزمان.

هذه الاستفهامات، خلقت حالة شك لدي، وبما أن الشك، هو علامة من علامات استيقاظ الفكر، فإننا بدأنا مرحلة التحليل، فسوريا، أي الجمهورية العربية السورية الحالية، كانت تُعرف في ذلك الزمان، باسم بلاد أمورو (عمورو)، وعُرفت أيضًا باسم بلاد آرام، وكان البحر المتوسط، المقابل لها، ولفلسطين، يسمى بحر أمورو العظيم، بينما سُميت مدن الساحل، من حماة وحتى العريش، باسم كنعان، أو بلاد كنعان، وسكانها أُطلق عليهم تسمية كنعانيين، وفي مرحلة لاحقة، أُطلق عليهم، من قِبل الإغريق، تسمية “فينيقيين”، لذلك فإن اللاحقة “سورية”، هي لاحقة مستحدثة، في زمن الاحتلال الفارسي، أي القرن السادس قبل الميلاد، وما تلاه، ولم تكن أصيلة.

والسؤال الذي سنبحث عن جوابٍ له، في هذا الكتاب: لماذا سُميت فلسطين بالسورية؟ وليس بالاسم المجرد، فلسطين فقط، والذي كما توصلنا في كتابنا “الفلسطينيون الكنعانيون القدماء”، أنه الاسم الأقدم لهذه البلاد. لماذا لم تسمى فلسطين الفينيقية، حيث ساحلها، وبعض داخلها، كان فينيقيًا-كنعانيًا؟ ولماذا لم تسمى “فلسطين العربية”، حيث أن جنوبها، حتى مصر، وشرقها حتى شمال الجزيرة، كان عربيًا؟

هذا الموضوع، مرَّ عليه الكثيرون، مؤرخون، باحثون، مثقفون، مرور الكرام، دون نبشٍ تحت التسمية؛ لمعرفة مدلولها التاريخي والحضاري، حيث لم أجد أحدًا، قبل كتابي هذا، طرح هذا السؤال على نفسه، بنفس الصورة التي طرحتها، رغم أهمية الطرح!
نعم، أضحت فلسطين، اعتبارًا من القرن السادس قبل الميلاد، وربما قبل ذلك بقليل، تُسمى “فلسطين السورية”، واختفى اسم “كنعان”، أو “بلاد كنعان”، عن الذكر، لدى معظم المؤرخين، في تلك الحقبة، وما تلاها، وحلَّ محله، هذا الاسم المركب، “فلسطين السورية”، أو فلسطين– سورية، والجزء الشمالي منها، الذي استقطعه المؤرخون التوراتيون المعاصرون، فجعلوه منفصلًا عنها، تحت مسمى “فينيقيا”، الذي بات يعرف اليوم، بلبنان، بينما بلاد كنعان، الصفة الجامعة السابقة، للمكونات الثلاثة، لم يعد لها ذكر.

من هذه القضية، والتساؤلات حولها، انطلقتُ في بحثي، الذي كنت سأُعنونه “فلسطين في تاريخ هيرودوت”، ظانًا أن الأمر، لن يستغرق معي، سوى بضع صفحات، تصلح كمقال، أو بحث صغير، لا يرقى، أن يصير بحثًا أكاديميًا، بل بحث، من باب العصف الفكري، لا أكثر، لكن وجدت نفسي أدخل بحثًا طويلًا شاقًا، في معرفة الأصول للأقوام، واللغات، والأديان، والأعراق، التي تألفَ منها، نسيج بلدان الشرق العربي، وجواره القريب، وفي الحقيقة، فإن القارئ لكُتبي، لن يجد أي تغييرًا ذو قيمة، قد طرأ على سكان هذه البلاد، أي فلسطين، سوى التسميات، ومجموعة من الكهنة الكلدان(الكاسيين)، الذين استوطنوا جبال القدس، فغيّروا مجرى تاريخ هذه البلاد، وخلقوا مصدرًا عُنصريًا، للنزاع والفصام، ما زلنا نعيش فصوله، حتى يومنا هذا، رغم مرور آلاف السنين.

نعم، جرى تغييرٌ بسيطٌ، على فلسطين الكنعانية، جرى تغييرٌ على جزءًا من سكانها، وتم إحلال سكان آخرين محلهم، بفعل عمليات السبي، وإعادة التوطين، التي قامت بها الإمبراطوريات الأشورية، والبابلية، والميدية، والفارسية، إضافةً إلى الهجرات الكنعانية، تجاه المستعمرات في شمال، وجنوب البحر الأبيض المتوسط، فهذه المرحلة، هي مرحلة كنعان الجديدة، أي (كريت حدشت)، قرطاجة التونسية، شمال إفريقية الكنعانية، سيدة البحر الجديدة، التي كان عماد سكانها من الفلسطينيين، كل ذلك جعل اسم كنعان القديم يختفي، كمسمى لهذه الأرض، ويحل مكانه الاسم المركب، “فلسطين السورية”، الذي يّعتقد بعض الكتاب العرب، الذين يعملون في حقل البحث التاريخي، بناءً على ورود هذه التسمية في صفحات التاريخ، في المدة المذكورة أعلاه، أن كنعان، لم يكن اسمًا أصيلًا لفلسطين الحالية، كي يختفي، بل إن كنعان موقعها كان في اليمن، وعسير، أما فلسطين، فليست هي فلسطين الحالية، وإن سوريا، هي الاسم الأصيل القديم، قدم البشرية، بينما فلسطين، لم تكن يومًا موجودة بهذا الاسم، وهي اختراع غربي صهيوني، ليس إلا، متناسين أن المهاجرين منها، إلى شمال أفريقيا، كانوا يُطلقون على أنفسهم، تسمية كنعانيين، ويعتزّون بهذه التسمية، وعلى رأسهم، الكاهن الجزائري أوغسطين، الذي قال:”إذا سألت فلاحينا، عن انتمائهم، فسيقولون لك: نحن من بني كنعان.”

وعليه، ومن خلال هذه الجدلية، انطلقتُ أبحث، عن مصدر اللاحقة “سورية”، التي ارتبطت، في ذلك الزمان، بالاسم فلسطين، وكدت مرات عديدة، أن أتراجع، وأُسلّم، بما قالوه. وقد اضطررت أثناء البحث، عن الاسم وأسبابه، إلى مراجعة، كل ما كتب عن التسمية “سورية”؛ كي أصل لحقيقة هذا التغيير، الذي حدث. وكلما قرأت، وبحثت، كلّما وجدت، أنّ شكي، كان في محله، وأن شيئًا ما، حدث بالفعل، وجعل اللاحقة ضرورية.

من خلال توصلي لحل الُلغز، عثرت على-ما أظن أنه-حلًا، لمعضلة أصل الآراميين، وأصل السريان، حيث استطعت معرفة سبب التداخل، بين التسميتين، ووجدت أن هناك خلطًا بينهما، وكذلك خلطًا، بين طوائف تسمى الراميين مع الأراميين، خلطًا ربما كان بريئًا، وربما مقصودًا، بين القبائل، والطوائف الدينية. ووجدت أكثر من ذلك، أن ما كنت أكدت عليه، في كتبي السابقة، حول ما يعرف بالديانة المجوسية، والتي منها خرجت الزردشتية، كان موطنها الأصلي بلاد فلسطين، لا إيران، وهو الشائع، أي هي ديانة فلسطينية، انتقلت إلى إيران، من خلال كهنة فلسطينيين.

وكون اللغة، والعرق، والدين، والأرض، والعلاقات الإنتاجية، كلها تُشكل الأمة، فقد بحثت فيها جميعًا، وبالطبع، لم يكن بإمكاني الحديث عن الآراميين، إلا إذا تحدثت عن جيرانهم، وأقربائهم، ومن اختلط بهم.
“فلسطين السورية الفينيقية”، هو رابع كتبي، في هذه السلسلة، التي تتناول تاريخ فلسطين القديم، من وجهة نظر تحليلية، وهو مقدمة، لا بد منها، لفهم حدث كبير، أؤرخ منه للبشرية، ميلاد السيد المسيح، الذي سيكون عنوان أحد كتبي القادمة، “المسيح الفلسطيني في صراع الأبيض والأحمر”، لكن قبله، سأتحدث عن تاريخ اليونان، والرومان في فلسطين، وقد أعود إلى المملكة الغامضة، لداود، وسليمان، لدي مشروع كبير، مشروع إعادة كتابة تاريخ فلسطين، ضمن رؤية جديدة، رؤية مغايرة، لما كان حصل، حتى الآن، رؤية مبنية على تحليل النصوص، ومقارنة الشواهد الأثرية، رؤية ترى التوراة، من خلال أجزائها المختلفة، الإيلية، واليهوية، والكهنوتية، من خلال تفكيكها؛ كي تنطق بالصدق، وتبوح عن أسرارها، التي اختلطت على قارئ التوراة، غير المتخصص.

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى