صديقك عندما يصبح وزيرا؟!

ما أن يتولى أحد أصدقائي منصبا مهما، حتى أجمع الأشياء التي تربطني به، فأضعها على الرف، وأقاطعه إلى أن يطلبني هو بحكم أنه الآمر الناهي، وهذه طريقة في الحياة لا أعرف من أين جاءتني، ولم أستطع كسرَها إلا مع الصديق معن حيدر عندما كان مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون، فكان دمثاً لدرجة أنه كان يدعوني لشرب القهوة كل يوم في مكتبه قبل أن يتدفق الموظفون صباحا!
وفاة الأستاذ عمران الزعبي أرّقتني، فمن الضروري أن أكتبَ عنه، لأن في الكتابة عنه كتابة عن صديق، وكتابة عن الإعلام، في مرحلة محددة خطرة، وهو الذي تولى منصبه في مطلع الحرب، وكان أول عمل أمر به عندما جلس وراء طاولة الوزير هو اتصال الفضائية السورية مع الوزير السابق الدكتور عدنان محمود لسؤاله عن رأيه في موضوع محدد !
المهم، لم يكن عمران الزعبي الصديق يتوقف عن تهنئتي بكل المناسبات عبر رسائل الخليوي، وكنّا عندما نلتقي نثرثر قليلا بالممنوعات، وخاصة بعد سطوع اسمه إثر قضية الشاهد الملك هسام هسام ، وهو من أخبرني قبل الحرب بأن هسام تزوج..
تولى عمران الزعبي منصب الوزير، فلم أهنئه ولم أدخل مكتبه، ومضى شهران أو أكثر، عندما كنت جالسا في مكتب الصديق تميم ضويحي وهو مكتب يقع بابه المفتوح على الممر الرئيسي للقناة الفضائية، فإذا به يمر فتلتقي عيناه بعينيّ، فأحييه وأنا أنهض احتراماً، فإذا به يتراجع سريعاً ليدخلَ المكتب ويسلم علي ويعاتبني ويدعوني لزيارته في مكتبه !
لم أزره، ولم يدعني إلى مكتبه لأي أمر، إلى أن أقيمتْ ورشة حول الإعلام السوري في فندق الداما روز، وكنت مُشاركاً فيها، وأجلس على المنصة مع معاون الوزير معن حيدر وأنيس النقاش رئيس مركز أمان للمعلومات والدراسات، والصحفي محمد صادق الحسيني ، وفوجئت أن الوزير يجلس بين الحضور.
وفي مداخلتي اتهمت الإعلام السوري بالتقصير وعدم المهنية وعجزه عن مجاراة الإعلام الآخر الذي جعلنا نُصدّق كل شيء منه قبل أن يبدأ الكذب علينا، فرد عليّ مدافعاً عن الإعلام السوري، و بعد الحوار دعاني من جديد إلى مكتبه، ولم أذهب!
قبل شهور من إعفائه من منصبه، اتصل بي مكتبه وأبلغني أن الوزير يريدني غدا في الواحدة ظهراً، ولم يخبرني السبب، وفي صباح اليوم التالي أبلغني مكتب الوزير أن الموعد تم تسبيقه إلى الساعة الحادية عشرة ، وبالفعل ذهبتُ ، وكان نحو عشرة أشخاص ينتظرون مواعيدهم في غرفة الانتظار.
أدخلوني فورا، فرحب بي وهو ينهض ليصافحني، ثم دخل في الموضوع سريعاً، يسألني عن مضمون زاوية أسبوعية كنت أكتبها في إحدى الصحف، وطرح عدداً من الأسئلة ، ثم قال وهو يرقب رد فعلي :
ــ أنت تعرف أني أحترمك وأن كتاباتك هامة ونتابعها دائماً ، ولكن حبذا لو عرضت علي ما تكتبه قبل النشر!
نعم هذا ماقاله لي رحمه الله . ولم يتوقع رديّ المفاجئ ، ولم أتوقعه ردّه الرائع على ردّي:
ــ عفوا سيادة الوزير .. أنت حتى الآن لم تطلبْ لي فنجان قهوة . أنت تطرح الأسئلة وكأنك تحقق معي، فهل أنا في تحقيق ؟ ثم هل تعتقد أن مانكتبه في الصحافة يستدعي هذا الاهتمام منك وإضاعة وقتك للتدقيق به ؟
وتابعتُ، بينما كان قد شرع في الضحك :
ــ المسألة في غاية البساطة . أنت وزيرُ الإعلام، وبإمكانك إيقاف الزاوية في الصحيفة، أما أن أعرضَ عليك ما أكتب، فهذه تسيء لي ، وعلى الأقل أنت لن تحترمني إذا وافقتْ!
قرعَ عمران الزعبي جرساً قريباً منه، ونهض من خلف طاولته ، ثم جلس بجواري، وقال بتودد مبالغ فيه ، وكأنه عاد صديقاً كما كنت أعرفه:
ــ أبداً .. أبداً .. لا أقصد ذلك .
وأضاف :
ــ يمكنك أن تكتب ماتشاء، وأنا أثق بكل ما تكتبه .. ولكن صراحة هناك من اشتكى، ولا أريدك في هذه الدائرة من الشكوى..
ودخل الموظف، فقال له مازحا:
ــ أحضر فطوراً كاملاً لضيفنا ..
دُهش الموظف وخرج وهو ينظر إلي فيما أنا أوضح:
ــ لا أريد سوى الماء ..
وألحّ الوزير على القهوة، فشربتْ وغادرت مكتبه وهو يتودد : اكتب ماتشاء .. بالتأكيد أنت حر بأن تكتب ماتشاء !
أشعر بالفخر بصداقتي مع عمران الزعبي عندما لم يكن وزيراً، وعندما توفي شعرتُ أنني خسرته وزيراً لايهمه منصبه عندما يتعلق الأمر بصديق جريء !