تحليلات سياسيةسلايد

صفعة مزدوجة سعودية إماراتية للرئيس بايدن تتمثل في رفض الرد على هاتفه..

صفعة مزدوجة سعودية إماراتية للرئيس بايدن تتمثل في رفض الرد على هاتفه…. ان يرفض كل من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي لبلاده، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، نظيره ولي عهد الامارات، التجاوب مع “استجداءات” أمريكية للانخراط في مباحثات هاتفية مع الرئيس جو بايدن حول الحرب في أوكرانيا، وزيادة انتاج النفط لتخفيض أسعاره التي وصلت الى معدلات قياسية، فهذا يعني، وللوهلة الأولى، ان النفوذ الامريكي في الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج بالذات، يتراجع الى معدلات متدنية، وان المحور الروسي الصيني الجديد الصاعد بدأ في الغاء الهيمنة الامريكية على النظام العالمي، لمصلحة عالم جديد متعدد الأقطاب.

رفض القائدان الخليجيان تلقي مكالمات هاتفية مع الرئيس الأمريكي، وفي مرحلة حرجة تخوض بلاده خلالها حربين: اقتصادية مباشرة وعسكرية بالإنابة حتى الآن، يعني ان بلديهما بدءا مسيرة الخروج من تحت العباءة الامريكية، وباتا يبنيان العلاقات مع القوى الكبرى، وامريكا خاصة، على أساس الندية والاحترام المتبادل، وليس على أساس “التبعية” والرضوخ للاملاءات مثلما كان عليه الحال منذ استقلال الدولتين في القرن الماضي.

الإدارات الامريكية المتعاقبة تعاملت مع معظم الحكومات العربية بطريقة طابعها الغطرسة والاستعلاء، والاملاءات، واهانت مشاعر اكثر من نصف مليار عربي، وفوقهما مليار مسلم، عندما انحازت بالكامل الى الجانب الإسرائيلي، ودعمت حروبه وسياساته العدوانية، وفرضت على الدول الخليجية المنتجة للنفط املاءات مهينة برفع أسعاره او تخفيضها، حسب المصالح الغربية، أمريكية كانت او اوروبية، وليس مصالح شعوبها، حتى ان مندوبا أمريكيا كان يشارك بشكل دائم في كواليس اجتماعات منظمة “أوبك”  في فيينا وجنيف للقيام بهذه المهمة، والتأكد من خضوع وزراء النفط العرب، والسعودية بالذات لهذه الاملاءات، وسمعنا ذلك مباشرة من الشيخ احمد زكي يماني وزير النفط السعودي الراحل.

الادارة الامريكية الديمقراطية تعيش مأزقا استراتيجيا هذه الأيام بسبب الحرب الأوكرانية، ابرز جوانبه الارتفاع القياسي لأسعار النفط والغاز الذي ادى الى احداث “ثقب كبير” في العقوبات الامريكية على روسيا، وتمكين الخزانة الروسية من تعويض معظم، ان لم يكن كل، نفقات الحرب التي اوشكت على دخول اسبوعها الثالث.

أربعة أسباب للخلافات الإماراتية السعودية مع الإدارة الامريكية:

الأول: الحرب اليمنية.

الثاني: البرنامج النووي الإيراني وقرب التوصل الى اتفاق حوله في مفاوضات فيينا، مما يعني رفع العقوبات بالكامل.

الثالث: رفض الرئيس بايدن التعاطي مع الأمير بن سلمان على أرضية تورطه في جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.

الرابع: رفض بيع أمريكا دولة الامارات طائرات “اف 35” او “الشبح” بعد موافقة الإدارة الجمهورية السابقة.

الامارات عبرت عن غضبها للمرة الأولى علانية بالامتناع عن التصويت لصالح مشروع قرار تقدمت به أمريكا الى مجلس الامن يدين الاجتياح الروسي لاوكرانيا، اما الأمير بن سلمان فوجه صفعة قوية للرئيس الأمريكي قبل بضعة أيام عندما اكد في مقابلة مطولة أجرتها معه مجلة “ذا اتلانتيك” قال فيها ان تجاهل بايدن له لا يهمه، ونصحه بالالتفات الى مصالح بلاده خاصة في السعودية، واكد على التزامه بالاتفاق النفطي مع روسيا (أوبك بلس) وعدم التجاوب مع طلب خفض الإنتاج.

أمريكا تنازلت عن عليائها وذهبت الى فنزويلا عارضة على رئيسها مادورو الذي تآمرت على اطاحته وقتله، رفع جميع العقوبات على بلاده مقابل زيادة انتاجها من النفط، ولكن هذا العرض قوبل بالرفض الفوري، بسبب العلاقة القوية بين فنزويلا وروسيا من ناحية ومحور المقاومة الذي تتزعمه ايران من ناحية اخرى، إضافة الى سبب ثانوي اقل أهمية، وهو عدم قدرة فنزويلا على زيادة انتاجها (مليون برميل يوميا) بسبب تهالك البنية التحتية النفطية من جراء الحصار الأمريكي الممتد منذ حوالي عشرين عاما، ومن سوء حظ ادارة بايدن ان الدولتين الوحيدتين المؤهلتين لتحقيق طلبه وزيادة انتاجهما النفطي هما المملكة العربية السعودية ودولة الامارات.

اما على صعيد الغاز، فإن دولة قطر ثاني اكبر مصدر للغاز في العالم بعد روسيا التي دعا الرئيس بايدن اميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الى واشنطن قبل الازمة الأوكرانية بعدة أسابيع، ومنحها صفة الحليف الأول من خارج حلف “الناتو”، رحبت بالتعاون مع الإدارة الامريكية في حدود قدراتها الإنتاجية، وباتت اكثر تفهما لمطالبها وسياساتها تجاه الازمة الأوكرانية، ولكنها لن تكون قادرة على تعويض جميع إحتياجات أوروبا من الغاز التي تصل الى 500 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، تأتي 46 بالمئة منها من روسيا، بسبب ارتباط قطر (انتاجها 143 مليار متر مكعب من الغاز سنويا) بعقود طويلة الأمد مع الصين اكبر مستهلك للطاقة في العالم.

حلفاء أمريكا في الخليج بدأوا في التمرد على هيمنتها، ونقل البندقية الى الكتف الروسي الصيني تدريجيا، وهذه خطوة جريئة، ولكنها غير مأمونة العواقب، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيفية الرد الأمريكي على هذه الصفعات؟ ابتلاعها بصمت، ام الرد عليها بقوة، خاصة ان لها قواعد عسكرية في هذه الدول؟

من يملك الإجابة هو ساكن البيت الأبيض، وما علينا الا الانتظار، وان كنا لا نستبعد الخيار الأول، أي الصمت، ولو مؤقتا، ريثما تنتهي ازمة أوكرانيا سلما او حربا، وينقشع غبار معاركها، وحينها لكل حادث حديث.. والله اعلم.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى