صناعة اللحظة
الحمل خارج الرحم… اسمه الطبي: حمل أيضاً.
____________________________
أكثر الدول حماساً للثورة السورية كانت تونس. فهي الدولة التي احتضنت ذلك الاجتماع الشهير لأصدقاء الشعب السوري، حيث اجتمعت و أجمعت 130 دولة على ضرورة تغيير النظام في سورية، وعلى دعم الثورة حتى تحقق أهدافها.
في تلك الأيام لم يكن هناك أدوات قياس صحيحة، نعرف بواسطتها أسباب هذا الحماس، ومدى صدقية هذه الصداقة ، وإلى أين من هنا… وبهذه الكمية التي لا تغتفر ـ كما يقولون ـ من الدول المهرولة إلى صداقة مفاجئة. مع أن الصداقات تبنى رويداً رويداً . وليس بمجرد دعوة المرزوقي ـ رئيس تونس أيامذاك .
ولكن وحدات القياس لم تكن غائبة تماماً. فأن يكون أحد نجوم المؤتمر الدكتور برهان غليون السوري الفرنسي الأكاديمي المهتم فجأة بقيادة وطن في لحظة التغيير الشرسة (كرئيس للمجلس الوطني) وصديقه الرئيس الصدفة التونسي المرزوقي…لهي علامة من علامات الطريق الذاهبة فيه القضية السورية: إنهما لم يدرّبا مهارتهما، ولا فكرا بذلك من قبل، على شطرنج هذا العالم السياسي المعقد، بل كانا في أماكن ومستويات أخرى، وقد يكونان لاعبي نرد لا أكثر،كما تبين لاحقا .
وأن يكون أمير قطر هو أحد خطباء الديمقراطية، واحد رعاة الثورة السورية، لهو أمر يثير الارتياب، من اللحظات الأولى، حتى لو كان المرتاب ممن كواهم نظام سورية بحريقه وسنوات سجنه.
وأن يكون من بين المندوبين من لا يعرف أين تقع سورية في الجغرافيا السياسية والجغرافيا الخرائطية… فذلك دليل على البداية المهولة للحرب النفسية القادمة. إن هذا العدد من الدول لهو مهيب، فعلا، كيفما كانت الحشوة التي في مخدات نوم الحالمين.
ولكن…وهذا مؤشر معياري على نظافة/ أو قذارة ما حدث، بعد أقل من سنة كان قد انخفض عدد أصدقاء سورية إلى 11 دولة. وكان الأمير السمين الديمقراطي قد طواه النسيان هو وديمقراطية أسرته.
أما المرزوقي فقد تكفل به التونسيون أنفسهم، فرسّبوه في أول امتحان لبكالوريا السلطة الشرعية. والدكتور برهان غليون ظل ينوس، كضوء شمعة، حتى انطفأ في دهاليز عتم المؤسسات المفبركة لسورية حديثة غير قادرة حتى على إدارة مياه الترعة الفراتية الذاهبه الى حلب.
هذه الذاكرة المسرودة اعلاه… أنعشها، الحرالشديد في دمشق، والكهرباء مقطوعة بيدي المرزوقي وغليون ـ رمزياً ـ ذلك لأن المسلحين يهاجمون الخطوط والمحطات، وينتظرون قدوم عمال الصيانة ومهندسي الطوارىء إلى عين المكان… وهناك يخطفون ويختفون.
وحين تأتي الكهرباء ونفتح التلفزيون يواجهنا الخبر التالي:
القمامة تنشر الوباء في بيروت. فالخلاف في الحكومة على مكان رمي القمامة لا أمل في تسويته قريباً….كان في لبنان من ترك القمامة تستشري ،وهم منصرفون الى الاهتمام بنظافة سوريا .
وهذه الذاكرة أنعشها قانون مكافحة الإرهاب، الذي أقره برلمان تونس بالتزامن مع إعادة العلاقات الديبلوماسية مع سورية، تلك العلاقات التي وقّع على قطعها المرزوقي، وها هي تعود بعد اكتشاف المهزلة في مسألة التهاون مع الإرهاب.
إن المائة وثلاثين دولة نجحت في شيء واحد…المساهمة بوعود كاذبة عبأت المتاريس أحلاماً كاذبة، فأدت إلى تدمير بلد...ثم لم تمد إليه يداً إلا بذخيرة البنادق وعبوات التفجير. وحين وصلت شحنة أدوية استوردتها وزارة الصحه في حكومة الثوره… كانت فاسدة، من بينها أدوية بيطرية استخدمت لمعالجة الحوامل.( هكذا سخرت الصحافه)
في الحروب يمكن صناعة اللحظة التي تتوقف بها النيران،مع ان النيران قد صنعت لحظتها الاولى.
اما في الحرائق فلا يمكن صناعة تلك اللحظة قبل أن تنتهي الغابة.
كانوا يعلمون ويطنشون… أن الإرهاب عابر حدود ولكنهم الآن يفهمون هذه الآية:
“تستطيع أن تلعب بالنار…
ولكن إياك أن تجعل النار لعبتك”.