صورة المرأة في المجموعة القصصية ‘قلب مهزوم’
برغم طوفان النشر للأعمال الروائية بأنواعها، فإن القصة القصيرة بدأت تظهر في الصورة مرة أخرى بعد خفوت في المشهد استمر لسنوات، ترى ما التفسير الذي من الممكن أن نجده لتلك الظاهرة التي باتت واضحة للعيان؟ هل تتحكم المبيعات؟ هل دخول دور النشر الخاصة الملعب بعدد كبير من الناشرين فيها بدرجة كبيرة يؤثر؟ هل نشر عدد كبير من الكتاب مجموعاتهم على نفقتهم الخاصة أو مساعدة الناشرين بجزء له تأثير؟
على أي حال، أرى أن زيادة المنشور من المجموعات القصصية يعطي أملًا لقادم السرد المصري، ويساعد بالطبع في ضبط إيقاع الرواية من حيث آلية الكتابة وجملتها وإيقاعها الذي ترهل أحيانًا؛ نظرًا لكثرة المعروض وإقبال القارئ المصري والعربي عليها، وهذا في حد ذاته شيء يسعد.
من تلك المجموعات المنشورة حديثًا “قلب مهزوم”، الصادرة عن مركز الحضارة العربية، للقاص والكاتب الصحفي حسام أبوالعلا الذي يعمل بمجلة “أكتوبر” التابعة لدار المعارف، والمجموعة هي العمل السردي الأول له الذي يحفل ببراءة الكتابة برغم أنه كتب بعضها من سنوات.
وبرغم التعريفات المختلفة والكثيرة للقصة القصيرة، فإن القاص تعامل مع القصة القصيرة التي تعتمد في جوهرها على الحكاية باستخدام ضمير المتكلم في أغلب القصص، حتى ولو كان الصوت نسائيًا رغم أن القاص رجل.
وتكشف المجموعة عن نفسها جلية بداية من العنوان الذي أهداه الكاتب لأمه التي فقدها، ففقد كل شيء، فكان ذلك هو الإشارة لوجود المرأة / الجدة / الأم / الزوجة / الحبيبة / الزميلة / الجارة / الطفلة التي يحبها ويعشقها ويحترمها، ويحتقرها أحيانًا، ولكنها تبقى كل شيء داخل المجموعة، وصاحبة السطوة والحظوة، والمسيطرة على أغلب قصص المجموعة الأربع عشرة؛ فنجد الجدة القوية الحنون في قصة “المصطبة” لها الأمر والنهي، وينفذ الراوي / البطل اليتيم وصيتها ببناء عيادة مجانية لأبناء القرية رغم اعتراض العم، فأنفق إرثه تقريبًا لتنفيذ الوصية، ونجده يسامح عمه في قصة “المال الحرام”، ويوافق على الزواج من ابنته رقية التي زوجها لدبلوماسي وتركته تنفيذا لرغبة عمه القاسي الجاحد – وأوامر والده – الذي استولى على ماله، ولكنها عادت له بعد أن طلقها.
وتمتلئ القصص داخل مجموعة “قلب مهزوم” بحكايات الحب والموت والقهر والطمع والإخفاق والنجاح والعلاقات الإنسانية الدافئة داخل المحيط الأسري والمجتمعي.
نشرت بعض قصص المجموعة في جريدتي “الأهرام” و”الشروق”. وأعتقد أن تلك القصص من أفضل القصص المجموعة، ومن تلك القصص الجيدة قصة “فارس من هذا الزمن الجميل”، وهي قصة سردها الكاتب بصوت أنثوي كان صادقًا بدرجة كبيرة عن امرأة مات زوجها وبدأت التعرف على شاعر عن طريق صديقتها الشاعرة التي دعتها لحضور مناقشة ديوانها، وحضر هذا الشاعر الحزين الذي لفت نظرها وبدأ الحب ينسج خيوطه، وتقابله بالصدفة وتعرف سبب حزنه الكبير بعد وفاة زوجته منذ ثلاث سنوات، ومرض ابنته الوحيدة بمرض صعب فتفاقمت أحزانه، وهنا تعرض عليه أن ابنته في حاجة لزوجة بديلة تساعدهما، ولكنه في إشارة تفهم أنه لا يريد أن يتزوج خوفًا على ابنته ومحبة كبيرة لها. “كنت أنتظر منه كلمة تمنحني أملًا بأنه سيغير موقفه، لكن صمته كان أبلغ من أي رد، صافحته وانصرفت. أدركت بالفعل أنني خسرت فارسًا من الزمن الجميل”.
وأحسن الكاتب أنه ختم القصة بهذه النهاية غير السعيدة للبطلة وللقارئ الذي تعود من الكاتب حسام أبو العلا أن يختتم بعض القصص ختامًا سعيدًا، فأحدثت تلك النهاية عمقًا ومفارقة جيدة للقصة، أضافت إليها رغم أنها لم ترض البطلة ولكنها أرضت القارئ، ونجد أن المفارقة أيضًا في قصة “شيء سيبقى بيننا” قد صنعت الجودة في هذه القصة التي تتناول علاقة حب بين شاب خجول وفتاة جميلة أطلق عليها “ذات العيون الخضر”، ويتمنى الجميع أن يتحدثوا إليها، ولكنها اختارته هو دون غيره، وفكرت كيف تقول له فاستعارت منه ديوانًا شعريًا لأستاذه في الجامعة الذي كان يحبه جدًا، وحفظ تقريبًا كل قصائده، وبعد فترة أعادت الديوان وبه رسالة قصيرة تقول له فيها “أحبك، واختارك قلبى من بين كل من حولي، أنت فقط من اخترق مشاعري وأحاسيسي”. ولكنه لم يقرأ الرسالة إلا بعد سنوات حين أراد أن يعود للديوان صدفة، ويكتشف أن هذه الفتاة الجميلة كانت تحبه جدًا ولكنه أضاعها بعجزه وصمته، فوضع الرسالة ثانية بين صفحات الكتاب.
وتتناول القصة المركزية “قلب مهزوم” حكاية شاب صغير توفيت والدته التي كانت تنصحه دائمًا بأن يكون إنسانًا محترمًا ويساعد والده في تربية إخوته، ولكنه يقابل في طريقه فتاة مستهترة بمشاعره، كانت زميلة له في المرحلة الابتدائية، وكان يشاهدها حين كان يذهب ليجلس في محل صديقه الذي كان يساعد والده في محل تصليح الأدوات الكهربائية، والغريب أنها اقتحمته وتعرفت إليه ونجحا في الثانوية، وذهبت لكلية أخرى، ويقابل صديقتها فتحكي له أنها كانت تعبث به فيكتب قصتها ويعلقها في مجلة الحائط، فتأخذها عايدة صديقة من يحب وتقدمها في مسابقة للقصة بالكلية ويفوز، ثم يرسل لها الشهادة والقصة مع صديقتها، كان من الأوقع أن تطلب عايدة أن ترسل لها الشهادة والقصة حيث بدأت حالة من التفاعل بينهما، والغريب أن الكاتب لم يذكر اسمها وكأنه كان حريصًا عليها وعلى سمعتها، فلا يريد أن يأتي بذكرها، أو أنها لا تستحق الذكر من الأصل.
ومن القصص التي تمتلك ذاكرة قوية، وتعاملت مع حالة إنسانية لطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة قصة “ضربة البداية”، وهو طفل يحب كرة القدم جدًا، وكان يحضر كل المباريات التي يلعب فيها البطل الراوي، ويفرح حين يكسب مباراة، ولكنه يجد سخرية وصدًا ممن بعض المشجعين ونهره حين التف حول البطل كي يهنئه بفوزه وبالأداء المتميز فيقول له: “ابعد يا أعرج”، وينسحب الطفل من الملعب، ويشعر الراوي/الشاب بالذنب، فيقرر أن يذهب إليه ويعتذر له ويعرف أنه قد تعرض لحادثة أصابته بعاهة، وأنه يتيم مات والده، وترعاه والدته بائعة الخبز، ويقرر أن يبدأ الطفل المباراة القادمة بملابس رياضية قد اشتراها له، ويركل الطفل فعلًا أول كرة في المباراة في لمحة إنسانية عالية، وكنت أتمنى من الكاتب حسام أبو العلا أن يطلق اسمًا على الطفل، فالقصة تحمل ذاكرة جيدة، وتسمية البطل الطفل سيعطيها مزيدًا من تلك الذاكرة.
وفي قصة “تضحية” نجد النكران والجحود من الأبناء الذين ضحت الأم من أجلهم حين مات عنها زوجها وذهبوا جميعًا إلى حياتهم الخاصة تاركين أمهم تعاني الوحدة، فتتعرف إلى رجل فقد عائلته، ويأتي لأحد دور الأيتام فتتعرف إليه ويطلبها للزواج ولكنهم يرفضون، وتمرض الأم ويغشى عليها، وتنقل للمستشفى في حالة سيئة، ويغضب الابن الصغير ويقرر أن يقف بجانبها ويصر أن يقف بجانبها ويوافقون جميعًا على رغبتها، والغريب أن الكاتب قد مهد لانحراف هذا الولد، وأن أخاه الأكبر اضطر إلى أن يأخذه ليعمل معه في المدينة النائية، فكانت تلك من المفارقات التي قدمها الكاتب في بناء القصة.
وفي قصة “الكابوس” جاءت النهاية موجعة للقارئ، رغم أن البطل قرر أن يتراجع عن موقفه في استرجاع حبه القديم حين وجد أمامه الفتاة التي باعته من أجل المال – كما قرر – في شرفة جارتهم، فيعود لدرج الذكريات المغلق ليفتحه ليرى خطاباتها وصورها، ولكنه يقرر أن ينساها ويعود لزوجته التي يحبها، ويذهب إلى عمله ناسيًا المكتب والدرج مفتوحين، فتدخل الزوجة وترى الصور والخطابات، ورغم أنه يأخذ باقة من الورد وهو عائد للبيت – إشارة مهمة لعودته – فإنه لم يجد الزوجة والأولاد.
وختامًا، تتسم المجموعة بروح المتوالية القصصية؛ فالبطل واحد في كل القصص تقريبًا برغم اختلاف موضوعاتها التي تصب في النهاية في المحيط الأسري والاجتماعي، كما أنها مكتوبة في الأغلب بضمير المتكلم وبرؤية السرد الحكائي الذي يأخذ القارئ للحدث بشكل مباشر دون أي مشاكل.
ميدل ايست أونلاين